الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          [ ص: 450 ] والمرأة إحرامها في وجهها ، حرم عليها تغطيته ببرقع أو نقاب أو غيره ( و ) قال ابن المنذر : كراهية البرقع ثابتة عن سعيد وابن عمر وابن عباس وعائشة ، ولا نعلم أحدا خالف فيه ، وسبق رواية البخاري عن ابن عمر مرفوعا { لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين } وخبره في المعصفر ، وعن ابن عمر قال : إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه ، رواه الدارقطني بإسناد جيد ، وروي أيضا عن ابن عمر مرفوعا { ليس على المرأة حرم إلا في وجهها } من رواية أيوب بن محمد أبي الجمل ، ضعفه ابن معين .

                                                                                                          وقال أبو زرعة : منكر الحديث ، وقال العقيلي يهم في بعض حديثه .

                                                                                                          وقال الدارقطني : مجهول ، ووثقه الفسوي ، وقال أبو حاتم : لا بأس به ، قال بعضهم : المحفوظ موقوف .

                                                                                                          وقال أبو الفرج في الإيضاح : وكفيها .

                                                                                                          وقال في المبهج : وفي الكفين روايتان .

                                                                                                          وقال في الانتصار في مسألة التيمم ضربة للوجه والكفين : إن المرأة أبيح لها كشف الوجه والكفين في الصلاة والإحرام ، ويجوز لها أن تسدل على الوجه لحاجة ( و ) لقول عائشة { : كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذونا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه } ، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني ، ورواه أيضا عن أم سلمة ، وفي الحديثين رواية [ ص: 451 ] يزيد بن زياد ، ضعفه الأكثر ، وسبق أول المواقيت

                                                                                                          وعن فاطمة بنت المنذر قالت : كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر ، رواه مالك ، أطلق جماعة جواز السدل .

                                                                                                          وقال أحمد : إنما لها أن تسدل على وجهها من فوق ، وليس لها أن ترفع الثوب من أسفل ، ومعناه عن ابن عباس ، رواه الشافعي . قال الشيخ عن قول أحمد كأنه يقول : إن النقاب من أسفل على وجهها وذكر القاضي [ وجماعة ] تسدل ولا تصيب البشرة ، فإن أصابتها فلم ترفعه مع القدرة فدت ، لاستدامة الستر ، قال الشيخ : ليس هذا الشرط عن أحمد ولا في الخبر ، والظاهر خلافه ، فإن المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة . فلو كان شرطا لبين ، وما قاله صحيح ، لكن زاد : وأنها منعت من البرقع والنقاب ونحوهما مما يعد لستر الوجه ، كذا قال . والمذهب : يحرم تغطية ما ليس لها ستره ، ولا يمكنها تغطية جميع الرأس إلا بجزء من الوجه ، ولا كشف جميع الوجه ، إلا بجزء من الرأس ، فستر الرأس كله أولى ; لأنه آكد ; لأنه عورة لا يختص بالإحرام ، وحكم المرأة كالرجل في جميع ما سبق إلا في لبس المخيط وتظليل المحمل ، بالإجماع ، لما سبق من حديث ابن عمر : ولحاجة الستر ، كعقد الإزار للرجل . ولأبي داود بإسناد [ جيد ] عن عائشة قالت { : كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنضمد جباهنا بالسك المطيب عند [ ص: 452 ] الإحرام ، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراها النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره عليها } . وإنما كرهه في الجمعة خوف الفتنة لقربها من الرجال ; ولهذا لا يلزمها ، بخلاف الحج ، ويتوجه احتمال أن الخبر يدل على أنه ليس بمنهي عنه ، للمشقة بتركه لطول المدة ، بخلاف الجمعة ، لا على استحبابه . ويحرم لبس القفازين عليها ، نص عليه ( و م ) وهما شيء يعمل لليدين كما يعمل للبزاة وفيه الفدية كالنقاب ، لخبر ابن عمر السابق ، وكالرجل ( و ) ولا يلزم من تغطيتها بكمها لمشقة التحرز جوازه بهما . بدليل تغطية الرجل قدميه بإزاره لا بخف . وإنما جاز تغطية قدميها بكل شيء لأنها عورة في الصلاة ، ولنا في الكفين روايتان ، أو الكفان يتعلق بهما حكم التيمم كالوجه ، قاله القاضي . واقتصر جماعة على الأخير . وعند أبي حنيفة : لها ذلك ، وللشافعي القولان ، قال القاضي : ومثلهما إن لفت على يديها خرقة أو خرقا وشدتها على حناء أو لا ، كشده على جسده شيئا وذكره في

                                                                                                          [ ص: 453 ] الفصول عن أحمد [ رحمه الله ] وظاهر كلام الأكثر : لا يحرم وإن لفتها بلا شد فلا . لأن المحرم اللبس لا تغطيتهما ، كبدن الرجل .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية