الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
امرأة المفقود ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم } قال وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزوج نفقة امرأته وحكم الله عز وجل بين الزوجين أحكاما منها اللعان والظهار والإيلاء ووقوع الطلاق .

( قال الشافعي ) فلم يختلف المسلمون فيما علمته في أن ذلك لكل زوجة على كل زوج غائب وحاضر . ولم يختلفوا في أن لا عدة على زوجة إلا من وفاة أو طلاق . وقال الله عز وجل { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن } الآية وقال تعالى { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد } إلى قوله { فلهن الثمن مما تركتم } .

( قال ) فلم أعلم مخالفا في أن الرجل أو المرأة لو غابا أو أحدهما برا أو بحرا علم مغيبهما أو لم يعلم فماتا أو أحدهما فلم يسمع بهما بخبر أو أسرهما العدو فصيروهما إلى حيث لا خبر عنهما لم نورث واحدا منهما من صاحبه إلا بيقين وفاته قبل صاحبه . فكذلك عندي امرأة الغائب أي غيبة كانت مما وصفت أو لم أصف بإسار عدو أو بخروج الزوج ثم خفي مسلكه أو بهيام من ذهاب عقل أو خروج فلم يسمع له ذكر أو بمركب في بحر فلم يأت له خبر أو جاء خبر أن غرقا كأن يرون أنه قد كان فيه ولا يستيقنون أنه فيه لا تعتد امرأته ولا تنكح أبدا حتى يأتيها يقين وفاته ثم تعتد من يوم استيقنت وفاته وترثه ، ولا تعتد امرأة من وفاة ومثلها يرث إلا ورثت زوجها الذي اعتدت من وفاته ، ولو طلقها وهو خفي الغيبة بعد أي هذه الأحوال كانت أو آلى منها أو تظاهر أو قذفها لزمه ما يلزم الزوج الحاضر في ذلك كله وإذا كان هذا هكذا لم يجز أن تكون امرأة رجل يقع عليها ما يقع على الزوجة تعتد لا من طلاق ولا وفاة كما لو ظنت أنه طلقها أو [ ص: 256 ] مات عنها لم تعتد من طلاق إلا بيقين وهكذا لو تربصت سنين كثيرة بأمر حاكم واعتدت وتزوجت فطلقها الزوج الأول المفقود لزمها الطلاق ، وكذلك إن آلى منها أو تظاهر أو قذفها لزمه ما يلزم الزوج .

وهكذا لو تربصت بأمر حاكم أربع سنين ثم اعتدت فأكملت أربعة أشهر وعشرا ونكحت ودخل بها أو نكحت ولم يدخل بها أو لم تنكح وطلقها الزوج الأول المفقود في هذه الحالات لزمها الطلاق لأنه زوج ، وهكذا لو تظاهر منها أو قذفها أو آلى منها لزمه ما يلزم المولى غير أنه ممنوع من فرجها بشبهة بنكاح غيره فلا يقال له فيء حتى تعتد من الآخر إذا كانت دخلت عليه فإذا أكملت عدتها أجل من يوم تكمل عدتها أربعة أشهر وذلك حين حل له فرجها وإن أصابها فقد خرج من طلاق الإيلاء وكفر وإن لم يصبها قيل له أصبها أو طلق .

( قال ) وينفق عليها من مال زوجها المفقود من حين يفقد حتى يعلم يقين موته .

( قال ) وإن أجلها حاكم أربع سنين أنفق عليها فيها وكذلك في الأربعة الأشهر والعشر من مال زوجها فإذا نكحت لم ينفق عليها من مال الزوج المفقود لأنها مانعة له نفسها ، وكذلك لا ينفق عليها وهي في عدة منه لو طلقها أو مات عنها ولا بعد ذلك ، ولم أمنعها النفقة من قبل أنها زوجة الآخر ولا أن عليها منه عدة ولا أن بينهما ميراثا ولا أنه يلزمها طلاقه ولا شيء من الأحكام بين الزوجين إلا لحوق الولد به إن أصابها وإنما منعتها النفقة من الأول لأنها مخرجة نفسها من يديه ومن الوقوف عليه كما تقف المرأة على زوجها الغائب بشبهة فمنعتها نفقتها في الحال التي كانت فيها مانعة نفسها بالنكاح والعدة وهي لو كانت في المصر مع زوج فمنعته نفسها منعتها نفقتها بعصيانها ومنعتها نفقتها بعد عدتها من زوجها الآخر بتركها حقها من الأول وإباحتها نفسها لغيره على معنى أنها خارجة من الأول ، ولو أنفق عليها في غيبته ثم ثبتت البينة على موته في وقت . ردت كل ما أخذت من النفقة من حين مات فكان لها الميراث ، ولو حكم لها حاكم بأن تزوج فتزوجت فسخ نكاحها وإن لم يدخل بها فلا مهر لها وإن دخل بها فأصابها فلها مهر مثلها لا ما سمى لها وفسخ النكاح وإن لم يفسخ حتى مات أو ماتت فلا ميراث لها منه ولا له منها وإن حكم لواحد منهما بالميراث من صاحبه رد الميراث فإن كان الزوج الميت رد ميراثه على ورثته وإن كانت هي الميتة وقف ميراث الزوج الأول حتى يعلم أحي هو فيرثها أو ميت فيرد على ورثتها غير زوجها الآخر ، ولو مات زوجها الأول ورثته وأخرجناها من يدي الآخر بكل حال ولو تربصت أربع سنين ثم اعتدت أربعة أشهر وعشرا ثم نكحت فولدت أولادا ثم جاء الأول كان الولد ولد الآخر لأنه فراش بالشبهة وردت على الزوج ومنع إصابتها حتى تعتد ثلاث حيض ، وإن كانت ممن لا تحيض لإياس من المحيض أو صغر فثلاثة أشهر ، وإن كانت حبلى فأن تضع حملها ، وإذا وضعت حملها فلزوجها الأول منعها من رضاع ولدها إلا اللبأ وما إن تركته لم يغذه مرضع غيرها ثم يمنعها ما سوى ذلك ، ولا ينفق عليها في أيام عدتها ولا رضاعها ولد غيره شيئا ، ولو ادعى الزوج الأول والآخر الولد وقد ولدت وهي مع الآخر أريته القافة .

( قال ) ومتى طلقها الأول وقع عليها طلاقه ولو طلقها زوجها الأول أو مات عنها وهي عند الزوج الآخر كانت عند غير زوج فكانت عليها عدة الوفاة والطلاق ولها الميراث في الوفاة والسكنى في العدة في الطلاق وفيمن رآه لها بالوفاة ولو مات الزوج الآخر لم ترثه وكذلك لا يرثها لو ماتت ، ولو ماتت امرأة المفقود والمفقود ولا يعلم أيهما مات أولا لم يتوارثا كما لم يتوارث من خفي موته من أهل الميراث من القتلى والغرقى وغيرهم إلا بيقين أن أحدهما مات قبل الأول فيرث الآخر الأول . ولو مات الزوج الأول والزوج الآخر ولا يعلم أيهما مات أولا بدأت فاعتدت أربعة أشهر وعشرا لأنه النكاح الصحيح والعدة الأولى بالعقد الأول ثم اعتدت بعد ثلاث حيض تدخل [ ص: 257 ] إحداهما في الأخرى لأنها وجبت عليها من وجهين مفترقين فلا يجزئها أن تأتي بإحداهما دون الأخرى لأنهما في وقت واحد ولو كان الزوج الأول مات أولا فاعتدت شهرا أو أكثر ثم ظهر بها حمل فوضعت حملها حلت من الذي حملت منه وهو الزوج الآخر فاعتدت من الأول أربعة أشهر وعشرا لأنها لا تستطيع تقديم عدتها من الأول وعليها عدة حمل من الآخر .

( قال ) ولكن لو مات الأول قبل فاعتدت شهرا أو أكثر ثم رأت أن بها حملا قيل لها تربصي فإن تربصت وهي تراها حاملا ثم مرت بها أربعة أشهر وعشر وهي تحيض في ذلك وتراها تحيض على الحمل ثم حاضت ثلاث حيض وبان لها أن لا حمل بها فقد أكملت عدتها منهما جميعا وليس عليها أن تستأنف عدة أخرى تحد فيها كما لو مات عنها زوجها ولا تعلم هي حتى مرت أربعة أشهر وعشر قيل لها ليس عليك استئناف عدة أخرى . وهكذا لو ماتا معا ولم تعلم حتى مضت أربعة أشهر وعشر وثلاث حيض بعد يقين موتهما معا لم تعد لعدة ولو مات الزوج الآخر اعتدت منه ثلاث حيض فإن أكملتها ثم مات الأول اعتدت عدة الوفاة وإن لم تكملها استقبلت عدة الوفاة من يوم مات الآخر لأنها عدة صحيحة . ثم اعتدت حيضتين تكملة الحيض التي قبلها من نكاح الآخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية