الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3649 ) مسألة ; قال : ( والربح على ما اصطلحا عليه ) يعني في جميع أقسام الشركة . ولا خلاف في ذلك في المضاربة المحضة . قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن للعامل أن يشترط على رب المال ثلث الربح ، أو نصفه ، أو ما يجمعان عليه ، بعد أن يكون ذلك معلوما جزءا من أجزاء .

                                                                                                                                            ولأن استحقاق المضارب الربح بعمله ، فجاز ما يتفقان عليه من قليل وكثير ، كالأجرة في الإجارة ، وكالجزء من الثمرة في المساقاة والمزارعة . وأما شركة العنان ، وهو أن يشترك بدنان بماليهما ، فيجوز أن يجعلا الربح على قدر المالين ، ويجوز أن يتساويا مع تفاضلهما في المال ، وأن يتفاضلا فيه مع تساويهما في المال . وبهذا قال أبو حنيفة . وقال مالك والشافعي : من شرط صحتها كون الربح والخسران على قدر المالين ; لأن الربح في هذه الشركة تبع للمال ، بدليل أنه يصح عقد الشركة ، وإطلاق الربح ، فلا يجوز تغييره بالشرط ، كالوضيعة .

                                                                                                                                            ولنا ، أن العمل مما يستحق به الربح ، فجاز أن يتفاضلا في الربح مع وجود العمل منهما ، كالمضاربين لرجل [ ص: 19 ] واحد ، وذلك لأن أحدهما قد يكون أبصر بالتجارة من الآخر ، وأقوى على العمل ، فجاز له أن يشترط زيادة في الربح في مقابلة عمله ، كما يشترط الربح في مقابلة عمل المضارب .

                                                                                                                                            يحققه أن هذه الشركة معقودة على المال والعمل جميعا ، ولكل واحد منهما حصة من الربح إذا كان مفردا ، فكذلك إذا اجتمعا ، وأما حالة الإطلاق ، فإنه لما لم يكن بينهما شرط يقسم الربح عليه ، ويتقدر به ، قدرناه بالمال ، لعدم الشرط ، فإذا وجد الشرط ، فهو الأصل ، فيصير إليه ، كالمضاربة يصار إلى الشرط ، فإذا عدم ، وقالا : الربح بيننا . كان بينهما نصفين ، وفارق الوضيعة ; فإنها لا تتعلق إلا بالمال ، بدليل المضاربة .

                                                                                                                                            وأما شركة الأبدان ، فهي معقودة على العمل المجرد ، وهما يتفاضلان فيه مرة ، ويتساويان أخرى ، فجاز ما اتفقا عليه من مساواة أو تفاضل ، كما ذكرنا في شركة العنان ، بل هذه أولى ; لانعقادها على العمل المجرد .

                                                                                                                                            وأما شركة الوجوه ، فكلام الخرقي بعمومه يقتضي جواز ما يتفقان عليه من مساواة أو تفاضل . وهو قياس المذهب ; لأن سائر الشركات الربح فيها على ما يتفقان عليه ، فكذلك هذه ، ولأنها تنعقد على العمل وغيره ، فجاز ما اتفقا عليه ، كشركة العنان . وقال القاضي : الربح بينهما على قدر ملكيهما في المشترى ; لأن الربح يستحق بالضمان ، إذ الشركة وقعت عليه خاصة إذ لا مال عندهما ، فيشتركان على العمل ، والضمان لا تفاضل فيه ، فلا يجوز التفاضل في الربح .

                                                                                                                                            ولنا ، أنها شركة فيها عمل ، فجاز ما اتفقا عليه في الربح ، كسائر الشركات . وقول القاضي : لا مال لهما يعملان فيه . قلنا : إنما يشتركان ليعملا في المستقبل فيما يأخذانه بجاههما ، كما أن سائر الشركات إنما يكون العمل فيها فيما يأتي ، فكذا هاهنا . وأما المضاربة التي فيها شركة وهي أن يشترك مالان وبدن صاحب أحدهما ، مثل أن يخرج كل واحد منهما ألفا ، ويأذن أحدهما للآخر في التجارة بهما ، فمهما شرطا للعامل من الربح إذا زاد على النصف ، جاز ; لأنه مضارب لصاحبه في ألف ، ولعامل المضاربة ما اتفقا عليه بغير خلاف .

                                                                                                                                            وإن شرطا له دون نصف الربح ، لم يجز ; لأن الربح يستحق بمال وعمل ، وهذا الجزء الزائد على النصف المشروط لغير العامل لا مقابل له ، فبطل شرطه . وإن جعلا الربح بينهما نصفين ، فليس هذا شركة ، ولا مضاربة ; لأن شركة العنان تقتضي أن يشتركا في المال والعمل ، والمضاربة تقتضي أن للعامل نصيبا من الربح في مقابلة عمله ، ولم يجعلا له هاهنا في مقابلة عمله شيئا .

                                                                                                                                            وإنما جعلا الربح على قدر المالين ، وعمله في نصيب صاحبه تبرع ، فيكون ذلك إبضاعا ، وهو جائز إن لم يكن ذلك عوضا عن قرض ، فإن كان العامل اقترض الألف أو بعضها من صاحبه ، لم يجز ; لأنه جعل عمله في مال صاحبه عوضا عن قرضه ، وذلك غير جائز . وأما إذا اشترك بدنان بمال أحدهما ، مثل أن يخرج أحدهما ألفا ويعملان جميعا فيه ، فإن للعامل الذي لا مال له من الربح ما اتفقا عليه ; لأنه مضارب محض ، فأشبه ما لو لم يعمل معه رب المال ، فحصل مما ذكرنا أن الربح بينهما على ما اصطلحا عليه في جميع أنواع الشركة ، سواء ما ذكرنا في المضاربة التي فيها شركة على ما شرحنا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية