الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 324 ] فصل ( في سوء حال الاجتماع في المساجد في ليالي المواسم والذهاب في أيامها إلى المقابر ) .

هل يستحب الاجتماع للقراءة والدعاء ؟ سبق قريبا من ثلث الكتاب في الفصول من كلام عند ذكر القصاص والكلام في الوساوس والخطرات ، وقد قال ابن عقيل في الفنون : أنا أبرأ إلى الله تعالى من جموع أهل وقتنا في المساجد والمشاهد ليالي يسمونها إحياء ، لعمري إنما لإحياء أهوائهم وإيقاظ شهواتهم جموع الرجال والنساء ، مخارج الأموال فيها أفسد المقاصد ، وهو الرياء والسمعة وما في خلال كل واحد من اللعب والكذب والغفلة ، ما كان أحوج الجوامع أن تكون مظلمة من سرجهم منزهة عن معاصيهم وفسقهم ، مردان ونسوة وفسق الرجل عندي من وزن في نفسه ثمن الشمعة فأخرج بها دهنا وحطبا إلى بيوت الفقراء ووقف في زاوية بيته بعد إرضاء عائلته بالحقوق فكتب في المتهجدين صلى ركعتين بحزن ، ودعا لنفسه وأهله وجماعة المسلمين ، وبكر إلى معاشه لا إلى المقابر .

فترك المقابر في ذلك عبادة يا هذا انظر إلى خروجك إلى المقابر كم بينه وبين ما وصفت له قال : " تذكركم الآخرة " ما أشغلك بتلمح الوجوه الناضرة في تلك الجموع لزرع اللذة في قلبك ، والشهوة في نفسك عن مطالعة العظام الناخرة ، تستدعي بها ذكر الآخرة ؟ كلا ما خرجت إلا متنزها ، ولا عدت إلا متأثما ، ولا فرق عندك بين القبور والبساتين مع الفرحة ، إلا أقل من أن تكون المعاصي بين الجدران ، فإما أن تجعل المقابر والمشاهد [ ص: 325 ] علة في الاشتهار فإذا فعل من فطن لقوله في رجب وأمثاله : { فلا تظلموا فيهن أنفسكم } .

عز علي بقوم فاتتهم أيام المواسم التي يحظى فيها قوم بأنواع الأرباح ، وليتهم خرجوا منها بالبطالة رأسا برأس : ما قنعوا حتى جعلوها من السنة إلى السنة خلسا لاستيفاء اللذات ، واستسلام الشهوات والمحظورات ، ما بال الوجوه المصونة في جمادى هتكت في رجب بحجة الزيارات ؟ { أفحكم الجاهلية يبغون } ؟ { ما لكم لا ترجون لله وقارا } .

ترى بماذا تحدث عنك سواري المسجد في الظلم وأفنية القبور والقباب بالبكاء ومن خوف الوعيد والتذكر للآخرة ينظر العبرة ، إذا تحدثت عن أقوام ختموا في بيوتهم الختمات وصانوا الأهل ، اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم حيث انسل من فراش عائشة رضي الله عنها إلى المسجد لا شموع ولا جموع ، طوبى لمن سمع هذا الحديث فانزوى إلى زاوية بيته ، وانتصب لقراءة جزء في ركعتين بتدبر وتفكر ، فيالها من لحظة ما أصفاها من أكدار المخالطات ، وأقذار الرياء غدا يرى أهل الجموع أن المساجد تلعنهم والمقابر تستغيث منهم ، يبكر أحدهم فيقول أنا صائم ، قد أفلح عرسك حتى يكون لك صبحه ، قل لي يا من أحياه في الجامع بأي قلب رحت ؟ مات والله قلبك ، وعاشت نفسك وما أخوفني على من فعل هذا الفعل في هذه الليالي أن يخاف في موطن الأمن ويظمأ في مقامات الري .

التالي السابق


الخدمات العلمية