الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الباب الثاني .

في ترتيب الأعمال الظاهرة من أول السفر إلى الرجوع وهي عشر جمل :

الجملة الأولى في السير من أول الخروج إلى الإحرام وهي ثمانية .

. الأولى في المال ، فينبغي أن يبدأ بالتوبة ورد المظالم وقضاء الديون وإعداد النفقة لكل من تلزمه نفقته إلى وقت الرجوع ويرد ما عنده من الودائع ويستصحب من المال الحلال الطيب ما يكفيه لذهابه وإيابه من غير تقتير بل على وجه يمكنه معه التوسع في الزاد ، والرفق بالضعفاء والفقراء .

ويتصدق بشيء قبل خروجه ويشتري لنفسه دابة قوية على الحمل لا تضعف أو يكتريها فإن اكترى فليظهر للمكاري كل ما يريد أن يحمله من قليل أو كثير ، ويحصل رضاه فيه .

الثانية في الرفيق ينبغي أن يلتمس رفيقا صالحا محبا للخير معينا عليه إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه وإن جبن شجعه وإن عجز قواه وإن ضاق صدره صبره .

ويودع رفقاءه المقيمين وإخوانه وجيرانه فيودعهم ويلتمس أدعيتهم فإن الله تعالى جاعل في أدعيتهم خيرا والسنة في الوداع أن يقول : أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ، وكان صلى الله عليه وسلم يقول لمن أراد السفر : في حفظ الله ، وكنفه ، زودك الله التقوى ، وغفر ذنبك ، ووجهك للخير أينما كنت .

الثالثة في الخروج من الدار ينبغي إذا هم بالخروج أن يصلي ركعتين أولا يقرأ في الأولى بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون ، وفي الثانية الإخلاص فإذا فرغ رفع يديه ودعا الله سبحانه عن إخلاص صاف ونية صادقة ، وقال : اللهم أنت الصاحب في السفر وأنت الخليفة ، في الأهل ، والمال ، والولد ، والأصحاب ، احفظنا وإياهم من كل آفة وعاهة ، اللهم إنا نسألك في مسيرنا هذا البر ، والتقوى ، ومن العمل ما ترضى ، اللهم إنا نسألك أن تطوي لنا الأرض ، وتهون علينا السفر ، وأن ترزقنا في سفرنا سلامة البدن والدين ، والمال وتبلغنا ، حج بيتك ، وزيارة قبر نبيك محمد صلى الله عليه وسلم اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال والولد والأصحاب ، اللهم اجعلنا وإياهم في جوارك ، ولا تسلبنا وإياهم نعمتك ، ولا تغير ما بنا وبهم من عافيتك .

الرابعة : إذا حصل على باب الدار قال : بسم الله ، توكلت على الله ولا ، حول ، ولا قوة إلا بالله أعوذ بالله رب أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أذل أو أذل أو أزل ، أو أزل أو ، أظلم ، أو أظلم ، أو أجهل ، أو يجهل علي اللهم إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ، ولا سمعة ، بل خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك ، وقضاء فرضك ، واتباع سنة نبيك وشوقا إلى لقائك ، فإذا مشى قال : اللهم بك انتشرت ، وعليك توكلت ، وبك اعتصمت ، وإليك توجهت ، اللهم أنت ثقتي ، وأنت رجائي فاكفني ما أهمني وما لا أهتم به وما أنت أعلم به مني ، عز جارك ، وجل ثناؤك ، ولا إله غيرك ، اللهم زودني التقوى ، واغفر لي ذنبي ، ووجهني للخير أينما توجهت ويدعو بهذا الدعاء في كل منزل يدخل عليه .

الخامسة في الركوب ، فإذا ركب الراحلة يقول : بسم الله ، وبالله ، والله أكبر ، توكلت على الله ، ولا حول ، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون ، اللهم إني وجهت وجهي إليك ، وفوضت أمري كله إليك ، وتوكلت في جميع أموري عليك ، أنت حسبي ، ونعم الوكيل .

فإذا استوى على الراحلة ، واستوت تحته قال : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر سبع مرات ، وقال الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، اللهم أنت الحامل على الظهر وأنت المستعان ، على الأمور .

السادسة في النزول ، والسنة أن لا ينزل حتى يحمى النهار ويكون أكثر سيره بالليل قال صلى الله عليه وسلم : عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار وليقلل نومه بالليل حتى يكون عونا على السير .

ومهما أشرف على المنزل ، فليقل : اللهم رب السموات السبع ، وما أظللن ، ورب الأرضين السبع ، وما أقللن ورب الشياطين ، وما أضللن ، ورب الرياح ، وما ذرين ، ورب البحار ، وما جرين أسألك خير هذا المنزل ، وخير أهله ، وأعوذ بك من شره ، وشر ، ما فيه ، اصرف عني شر شرارهم .

فإذا نزل المنزل صلى ركعتين فيه ثم قال أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق .

فإذا جن عليه الليل يقول : يا أرض ربي وربك الله ، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك ، وشر ما ، دب عليك ، أعوذ بالله من شر كل أسد ، وأسود ، وحية ، وعقرب ، ومن شر ساكن البلد ، ووالد ، وما ولد ، وله ما سكن في الليل ، والنهار ، وهو السميع العليم .

[ ص: 324 ]

التالي السابق


[ ص: 324 ] (الباب الثاني في ترتيب الأعمال الظاهرة من أول السفر)

أي : من أول إنشائه الخروج من دويرة أهله (إلى الرجوع) إليها (وهي عشر جمل : الجملة الأولى في السنن) التي ينبغي مراعاتها (من أول الخروج إلى) وقت (الإحرام . الأولى في المال ، فينبغي أن يبدأ بالتوبة) الصادقة الناصحة عما صدر منه من الآثام إجمالا وتفصيلا إن أمكن له التذكر (ورد المظالم) إلى أربابها إن أمكنه (وقضاء الديون المترتبة على ذمته لأربابها لئلا تبقى ذمته مشغولة ) بحق شرعي (وإعداد النفقة) ، أي : إحضارها ، والنفقة محركة اسم لما ينفقه في طريقه أعم من أن يكون مأكولا ، أو نقدا ، ويعبر عنه بالزاد (لكل من تلزمه نفقته) شرعا من الأهل ، والعيال (إلى وقت الرجوع) ، وفيه إشارة إلى أنه ليس من الشرط قدرته على نفقته ، ونفقة عياله بعد الرجوع ، وهو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة ، وقيل : لا بد من زيادة نفقة يوم ، وقيل : شهرا . الأول رواية عن الإمام ، والثاني عن أبي يوسف .

(ويرد ما عنده من الودائع) المودعة عنده ، وكذا العواري لتتفرغ ذمته بالعبادة ، (ويستصحب مالا) المراد هنا النقد (من حلال طيب) لا شبهة فيه بأن حصله من ربح تجارة ، أو زراعة ، أو إرث من وجه صحيح ، أو غير ذلك (يكفيه لذهابه وإيابه) وشرط أصحابنا أنه لا بد أن يفضل له بعد ذلك رأس مال يتجر به لو كان تاجرا ، وآلة حرث لو كان حراثا . ذكره قاضيخان في فتاويه ، وجزم به صاحب النهاية وفتح القدير ، وعزاه في السراج الوهاج ، والخلاصة إلى روضة العلماء ، ثم قال صاحب الخلاصة : أما المحترف إذا ملك قدر ما يحج به ، ونفقة عياله ذاهبا ، وجائيا فعليه الحج . أهـ .

ثم قال عمر بن نجيم من أصحابنا يعني اتفاقا ؛ لأنه غير محتاج إلى رأس مال لقيام حرمته ، وينبغي أن يعتد بحرفة لا تحتاج إلى آلة ، أما المحتاجة إليها فيشترط أن يبقى له قدر ما يشتري به . أهـ .

(من غير تقتير) ، أي : تضييق ، ولا إسراف (بل على وجه يمكنه معه التوسع في الزاد ، والرفق بالفقراء) بالإطعام ، والإعطاء (و) يستحب أن (يتصدق بشيء) ، ولو قليلا كلقمة ، أو تمرة (قبل خروجه) ؛ فإنه يكون سببا لدفع البلايا عنه (وليشتر له) ، أي : لنفسه قبل إنشاء السفر ، وفي نسخة : ويشتري لنفسه (دابة قوية على الحمل) يعني من الإبل ؛ فإنها هي التي تقوى على حمل الأثقال في الأسفار المعتدة ، وما عداها لا يقوى قوتها ، ولذا قال (لا تضعف) ، أي : عن الحمل لقوتها وصبرها (أو يكتريها) ، أي : إن لم يقدر على الشراء فبالكراء ، وإذا أعاره إنسان دابة ليركبها ، أو أباح له ركوبها إلى غاية سفره جاز إلا أنه لا يعد قادرا شرعا (فإن اكتراها) بمال معلوم (فليظهر للمكاري) ، أي : صاحب الدابة (كل ما يريد أن يحمله) معه عليها (من قليل ، وكثير) ، ولا يكتم (ويحصل رضاه فيه) ، ولو بإعطاء شيء زائد على الأجرة تطييبا لخاطره ، ورفعا للشبهة .

(الثانية في الرفيق) الذي يرافقه في سفره (ينبغي أن يلتمس) في سفره (رفيقا صالحا محبا للخير معينا عليه) بحيث (إن نسي) شيئا من طرق الخير (ذكره) به ليفعله ودله على الأصلح (وإن ذكر) شيئا من الخير (أعانه) عليه بظاهره ، أو باطنه ، أو بهما معا (وإن جبن) عن الإقدام على خير (شجعه) ، أي : قوى قلبه بمساعدته ، إياه (وإن عجز) بضعفه (قواه) بمسارعته لا لهواه (وإن ضاق صدره) لنازلة نزلت به (صبره) ، وسلاه .

وأخرج أبو داود ، والبيهقي من حديث عائشة : إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق إن نسي ذكره ، وإن ذكر أعانه ، وإذا أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء إن نسي لم يذكره ، وإن ذكر لم يعنه . وروى الطبراني في الكبير ، وابن أبي خيثمة ، وأبو الفتح الأزدي ، والعسكري في الأمثال من حديث رافع بن خديج رفعه : التمسوا الرفيق قبل الطريق ، والجار قبل الدار . وسنده ضعيف ، وروى الخطيب في الجامع من حديث علي مرفوعا : الجار قبل الدار ، والرفيق قبل الطريق ، والزاد قبل الرحيل . وروي أيضا من حديث خفاف بن ندبة مرفوعا : ابتغ الرفيق قبل الطريق ، فإن عرض لك أمر لم يضرك ، وإن احتجت إليه رفدك .

(ورفقاؤه المقيمون) في الوطن (وإخوانه) ، ومعاشروه ، ومعارفه ، وجيرانه ، فيذهب إليهم بنفسه (فيودعهم) عند خروجه (ويلتمس أدعيتهم) الصالحة (فإن الله تعالى جاعل في أدعيتهم البركة) ، ويكفيك من [ ص: 325 ] ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب لما استأذنه في العمرة ، فأذن له ، وقال : لا تنسنا من دعائك يا أخي . وفي رواية : أشركنا في صالح دعائك . رواه أبو داود ، والبزار . وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة رفعه : إذا أراد أحدكم سفرا فليسلم على إخوانه ؛ فإنهم يزيدونه بدعائهم إلى دعائه خيرا . وأخرج الخرائطي من طريق نفيع بن الحارث عن زيد بن أرقم رفعه : إذا أراد أحدكم سفرا فليودع إخوانه ، فإن الله تعالى جعل له في دعائهم خيرا . وهو حديث غريب ، ونفيع متروك (والسنة في الوداع أن يقول : أستودع الله دينكم ، وأمانتكم وخواتم أعمالكم ) . هكذا هو في نسخة بضمير الجمع ، وفي بعضها بالإفراد . قال العراقي : رواه أبو داود ، والترمذي وصححه النسائي من حديث ابن عمر أنه كان يقول للرجل إذا أراد سفرا : ادن مني حتى أودعك كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يودعنا : أستودع الله دينك ، وأمانتك وخواتيم عملك . أهـ .

قلت : ورواه كذلك النسائي في اليوم والليلة ، والبخاري في التاريخ ، وأحمد في المسند ، وقال الترمذي : صحيح غريب . وأخرج أبو داود ، والحاكم من حديث عبد الله بن زيد الخطمي رفعه : كان إذا أراد أن يستودع الجيش قال : أستودع الله دينكم ، وأمانتكم وخواتيم أعمالكم . ومعنى أستودع أستحفظ ؛ وذلك لأن السفر محل الاشتغال عن الطاعات التي يزيد الدين بزيادتها وينقص بنقصها ، والمراد بالأمانة الأهل ، ومن يتخلف بعده منهم ، والمال المودع تحت يد أمين ، وقدم الدين على الأمانة ؛ لأن حفظه أهم ، والمراد بخواتيم العمل العمل الصالح الذي يجعل آخر عمله في الإقامة ؛ فإنه يسن للمسافر أن يختم إقامته بعمل صالح كتوبة ، وخروج عن المظالم ، وصدقة ، وصلة رحم ، ووصية ، وإبراء ذمة ، ونحوها مما ذكره المصنف ، وكذا قراءة آية الكرسي ، وصلاة ركعتين ، ويندب لكل من المتوادعين أن يقول هذه الكلمات ، ويزيد المقيم بعد ذلك : وردك في خير .

(وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لمن أراد السفر : في حفظ الله ، وكنفه ، زودك الله التقوى ، وغفر ذنبك ، ووجهك للخير أينما توجهت ) قال العراقي : رواه الطبراني في الدعاء من حديث أنس ، وهو عند الترمذي ، وحسنه دون قوله : في حفظ الله ، وكنفه . أهـ .

قلت : ورواه الطبراني في الكبير من حديث قتادة بن هشام الرهاوي أنه لما ودعه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : جعل الله التقوى زادك ، وغفر لك ذنبك ، ووفقك إلى الخير حيثما تكون . وأخرجه البغوي من حديث أنس قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا رسول الله ، إني أريد سفرا ، فزودني ، قال : وغفر ذنبك ، قال : زودني ، قال : ويسر لك الخير حيثما كنت . وقد أخرجه الترمذي كذلك . وأخرج الدارمي ، والخرائطي في مكارم الأخلاق ، والمحاملي في الدعاء بلفظ : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا نبي الله ، إني أريد السفر ، فقال : متى ؟ قال : غدا إن شاء الله تعالى ، فأتاه ، فأخذ بيده ، فقال له : (الثالثة في الخروج من المنزل) ، وفي نسخة : من الدار (ينبغي إذا هم بالخروج من منزله أن يصلي أولا ركعتين يقرأ في الأولى بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون ، وفي الثانية سورة الإخلاص ) ، أي : بعد الفاتحة ، وقد تقدم في آخر كتاب الصلاة سنية الركعتين عند إرادة السفر ، وقبل الخروج من المنزل (فإذا فرغ) من صلاته (رفع يديه) قريبا من صدره (ودعا إلى الله تعالى عن إخلاص صاف ) ، أي : بتوجه القلب (ونية صادقة ، وقال : اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل ، والمال ، والولد ، والأصحاب ، احفظنا وإياهم من كل آفة وعاهة ، اللهم إنا نسألك في مسيرنا هذا البر ، والتقوى ، ومن العمل ما ترضى ، اللهم إني أسألك أن تطوي لنا الأرض ، وتهون علينا السفر ، وأن ترزقنا في سفرنا هذا سلامة الدين ، والبدن ، والمال ، وأن تبلغنا حج بيتك ، وزيارة قبر نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - ، اللهم اجعلنا وإياهم في جوارك ، ولا تسلبنا وإياهم نعمتك ، ولا تغير ما بنا وبهم من عافيتك) رواه مالك في الموطأ بلفظ : اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل ، اللهم ازو لنا الأرض ، وهون علينا ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، ومن سوء المنظر في المال ، والأهل . وأخرجه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي من حديث أبي هريرة مرفوعا قال : كان إذا سافر قال : اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، وسوء المنظر في المال ، والأهل ، والولد . وأخرجه الترمذي ، والنسائي بلفظ : كان [ ص: 326 ] إذا سافر فركب راحلته قال بأصبعه ، ومد أصبعه : اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل ، اللهم ازو لنا الأرض ، وهون علينا السفر ، اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب ، اللهم اصحبنا بنصح واقلبنا بسلامة . قال الترمذي : حسن غريب . وأخرج البخاري خارج الصحيح حديث جابر : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد راح قافلا إلى المدينة ، وهو يقول : آيبون تائبون ، إن شاء الله عابدون ، لربنا حامدون ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، وسوء المنظر في المال ، والأهل ، والولد . وأخرج أحمد ، والترمذي ، والحاكم من حديث أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا رسول الله ، إني أريد سفرا فأوصني ، فقال : إني أوصيك بتقوى الله ، والتكبير على كل شرف ، فلما ولى قال : اللهم اطو له الأرض ، وهون عليه السفر . وأخرج مسلم من طريق عامر الأحول عن عبد الله بن سرجس رفعه : كان إذا خرج من سفر ، أو أراد سفرا قال : اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، والحور بعد الكور ، ودعوة المظلوم ، وسوء المنقلب في المال ، والأهل ، فإذا رجع قال مثلها إلا أنه يقدم الأهل . وأخرج ابن ماجه كذلك ، وأكثر من روى هذا الحديث عن عاصم قدم الأهل على المال ، ولم يذكر الرجوع ، ولا ما فيه . وأخرج ابن منده بلفظ : كان إذا سافر قال : اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل ، اللهم اصحبنا في سفرنا ، واخلفنا في أهلنا ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر . فذكر الحديث بدون الزيادة في آخره .

(الرابعة : إذا حصل على باب الدار قال : بسم الله ، توكلت على الله ، لا حول ، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) أخرج الطبراني في الدعاء من حديث أنس رفعه : من قال إذا خرج من بيته : بسم الله ، توكلت على الله ، لا حول ، ولا قوة إلا بالله ، فإنه يقال له حينئذ : هديت ، ووقيت ، وكفيت ، ويتنحى عنه الشيطان . وأخرجه الترمذي ، وأبو داود ، وابن حبان ، والدارقطني ، وقال الترمذي : حسن غريب . وأخرجه الحافظ أبو طاهر السلفي في فوائده من حديث عوف بن عبد الله بن عتبة رفعه : قال : إذا خرج الرجل من بيته ، فقال : بسم الله ، حسبي الله ، توكلت على الله ، قال الملك : كفيت ، وهديت ، ووقيت . وأخرج البخاري في الأدب المفرد ، وابن ماجه ، والطبراني في الدعاء ، والحاكم وصححه من حديث أبي هريرة قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من منزله قال : بسم الله ، التكلان على الله ، لا حول ، ولا قوة إلا بالله . وله طريق أخرى عند ابن ماجه ، والطبراني في الدعاء بأتم منه ، ولفظه : إذا خرج الرجل من بيته كان معه ملكان ، فإذا قال : بسم الله ، قالا : هديت ، فإذا قال : لا حول ، ولا قوة إلا بالله ، قالا : وقيت ، فإذا قال : توكلت على الله ، قالا : كفيت ، فيلقاه قرينه ، فيقولان : ما تريد من رجل هدي ، ووقي ، وكفي ؟ هذا ما يتعلق بالحالة الأولى ، وليس عند هؤلاء العلي العظيم ، لكن زيادته حسن ، ثم قال : (رب أعوذ بك أن أضل) ، أي : بنفسي ، وهو بفتح الهمزة ، وكسر الضاد المعجمة صيغة متكلم معلوم من الضلال ضد الهداية (أو أضل) بضم الهمزة ، وفتح الضاد ، أي : يضلني غيري ، أو هو بكسر الضاد بمعنى أكون سببا لضلال غيري (أو أزل ، أو أزل) بالضبطين المتقدمين من الزلل (أو أذل ، أو أذل) من الذل ضد العز (أو أظلم ، أو أظلم ، أو أجهل ، أو يجهل علي) قال النسائي : حدثنا سليمان بن عبيد الله ، عن بهز بن أسد عن شعبة ، عن منصور بن المعتمر قال : سمعت الشعبي يحدث عن أم سلمة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا خرج من بيته : اللهم إني أعوذ بك من أن أضل ، أو أزل ، أو أظلم ، أو أظلم ، أو أجهل ، أو يجهل علي . وقال الطبراني : حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن الشعبي ، عن أم سلمة قالت : ما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بيتي صباحا إلا رفع بصره إلي ، وقال : اللهم إني أعوذ بك من أن أضل ، أو أضل ، أو أزل ، أو أزل ، أو أظلم ، أو يظلم علي . وأخرجه أبو داود عن مسلم بن إبراهيم بهذا اللفظ ، إلا أنه قال : قط بدل صباحا ، وطرفه بدل بصره ، وقال أحمد في مسنده : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، فذكر مثل حديث بهز بدون من ، وزاد في أول الدعاء بسم الله . وأخرجه النسائي عن بندار عن عبد الرحمن بن مهدي ، وقال أحمد أيضا : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن الشعبي ، عن أم سلمة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من بيته قال : بسم الله ، توكلت على الله ، اللهم [ ص: 327 ] إني أعوذ بك من أن نضل ، أو نزل ، أو نظلم ، أو نظلم ، أو نجهل ، أو يجهل علينا . أخرجه الترمذي في الجامع ، والنسائي في الكبرى جميعا عن محمود بن غيلان ، عن وكيع ، ولم يجئ في شيء من الطرق بالنون بصيغة الجمع إلا في رواية وكيع ، وكذا زيادة توكلت على الله ، ولا في شيء من طرقه بزيادة أضل وأزل بضم الهمزة ، فيهما إلا في رواية مسلم بن إبراهيم . قال الترمذي : بعد تخريجه : حديث حسن صحيح ، وقال الحاكم بعد تخريجه في المستدرك من رواية عبد الرحمن بن مهدي : صحيح على شرطهما ، فقد صح سماع الشعبي ، عن أم سلمة ، وعن عائشة ، هكذا قال ، وقد خالف ذلك في علوم الحديث له ، فقال : لم يسمع الشعبي من عائشة . وقال علي بن المديني في كتاب العلل : لم يسمع الشعبي من أم سلمة ، وعلى هذا فالحديث منقطع . قال الحافظ : وله علة أخرى ، وهي الاختلاف على الشعبي ، فرواه زبيد عنه مرسلا لم يذكر فوق الشعبي أحدا . هكذا أخرجه النسائي في اليوم والليلة من رواية عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان الثوري ، عن زبيد . ورواه مجالد عن الشعبي ، فقال : عن مسروق ، عن عائشة ، ورواه أبو بكر الهذلي عن الشعبي ، فقال : عن عبد الله بن شداد ، عن ميمونة ، وهذه العلة غير قادحة ، فإن منصورا ثقة ، ولم يختلف عليه فيه ، فقد رواه ابن ماجه من طريق عبد بن حميد ، والنسائي أيضا من طريق جرير ، والطبراني في الدعاء من طريق القاسم بن معن ، ومن طريق الفضيل بن عياض ، وابن نجيح في جزء له من طريق إدريس الأزدي كلهم عن منصور كذلك فما له علة سوى الانقطاع ، فلعل من صححه سهل الأمر فيه لكونه من الفضائل ، ولا يقال اكتفى بالمعاصرة ؛ لأن محل ذلك أن لا يحصل الجزم بانتفاء التقاء المعاصرين إذا كان النافي واسع الاطلاع ؛ مثل ابن المديني ، والله أعلم .

وقال الحافظ أبو عبد الله بن منده : أخبرنا أحمد بن محمد ، حدثنا الحارث بن محمد ، حدثنا أبو زيد سعيد بن الربيع ، أخبرنا شعبة ، عن منصور ، عن الشعبي ، عن أم سلمة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : قال شعبة : أكبر علمي أن فيه بسم الله ، وزعم سفيان يعني الثوري أنه فيه : اللهم إني أعوذ بك أن أضل ، أو أذل ، أو أظلم ، أو أظلم ، أو أجهل ، أو يجهل علي . هكذا هو الأصل بالذال المعجمة من الذل ، والذي في أكثر الروايات بالزاي من الزلل ، وقد عرفت من مجموع ما سقناه أن المصنف جمع بين الروايات المختلفة ، والله أعلم .

(اللهم إني لم أخرج أشرا) بالتحريك وهو كفر النعمة (ولا بطرا) ، وهو بوزنه ، ومعناه (ولا رياء ، ولا سمعة ، بل خرجت اتقاء سخطك) ، أي : غضبك (وابتغاء مرضاتك ، وقضاء فرضك ، واتباع سنة نبيك وشوقا إلى لقائك ، فإذا مشى) من باب داره (قال : اللهم بك انتشرت ، وعليك توكلت ، وبك اعتصمت ، وإليك توجهت ، اللهم أنت ثقتي ، وأنت رجائي فاكفني ما أهمني) من أمور الدنيا ، (وما لا أهتم به) ، أي : لم يخطر ببالي (وما أنت أعلم به مني ، عز جارك ، وجل ثناؤك ، ولا إله غيرك ، اللهم زودني التقوى ، واغفر لي ذنبي ، ووجهني للخير أينما توجهت) قال الطبراني : حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا محمد بن سعيد ، حدثنا عبد الرحمن المحاربي ، عن مساور العجلي ، عن أنس قال : لم يرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سفرا قط إلا قال حين ينهض من جلوسه : اللهم بك انتشرت ، وإليك توجهت ، وبك اعتصمت ، اللهم اكفني ما أهمني ، وما لا أهتم له ، وما أنت أعلم به مني ، اللهم اغفر لي ذنبي ، وزودني التقوى ، ووجهني للخير حيثما توجهت ، ثم يخرج ، وفي نسخة : حيثما كنت . وأخرج أحمد في مسنده عن هاشم بن القاسم ، حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، عن صالح بن كيسان ، عن رجل عن عثمان بن عفان رفعه : ما من مسلم يريد سفرا ، أو غيره ، فقال : بسم الله ، آمنت بالله ، اعتصمت بالله ، توكلت على الله ، لا حول ، ولا قوة إلا بالله إلا رزق خير ذلك المخرج ، وصرف عنه شره . وأما قوله : عز جارك إلى قوله : غيرك فعند الطبراني في الدعاء قال : حدثنا عبد الرحمن بن مسلم ، حدثنا سهل بن عثمان ، حدثنا جنادة بن سلم ، عن عبد الله بن عمر ، عن عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه ، عن جده ، عن جد أبيه عبد الله بن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا تخوف أحدكم السلطان فليقل ، فذكره ، وفيه : عز جارك ، وجل ثناؤك ، ولا إله غيرك ، ولا حول ، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وفي رواية : ولا إله إلا أنت . ورواه البخاري في الأدب المفرد من وجه آخر موقوفا على ابن مسعود ، وسنده صحيح ورواه ابن [ ص: 328 ] السني من حديث ابن عمر مرفوعا : إذا خفت سلطانا ، وغيره ، فقل فساقه ، وفي آخره : لا إله إلا أنت ، عز جارك ، وجل ثناؤك . والإخلاص ، وإمحاض النية ، وإحضار القلب ، مع معرفة معاني هذه الأدعية شرط ليكون أدعى للإجابة . (ويدعو بهذا الدعاء) بتمامه ، أو بعضه (في كل منزل يرحل عنه) تشبيها له بمنزله الذي خرج منه .

(الخامسة في الركوب ، فإذا ركب الراحلة يقول : بسم الله ، وبالله ، والله أكبر ، توكلت على الله ، ولا حول ، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون ، اللهم إني وجهت وجهي إليك ، وفوضت أمري إليك ، وتوكلت في جميع أموري عليك ، أنت حسبي ، ونعم الوكيل) .

قال مسلم في صحيحه : حدثنا هارون بن عبد الله ، عن حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير أن عليا الأزدي أخبره أن ابن عمر أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا ، ثم قال : سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون ، اللهم إني أسألك في سفرنا هذا البر ، والتقوى ، ومن العمل ما ترضى ، اللهم هون علينا سفرنا هذا ، واطو عنا بعده ، اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، وسوء المنظر في الأهل ، والمال . وأخرجه أبو نعيم عن أبي بكر بن خلاد ، عن الحرث بن أبي أسامة ، عن روح بن عبادة ، عن ابن جريج . وأخرجه أبو داود عن الحسن بن علي ، عن عبد الرزاق ، عن ابن جريج . وأخرجه أبو نجيم في المستخرج عن محمد بن إبراهيم بن علي ، عن محمد بن بركة ، عن يوسف بن سعيد ، عن حجاج بن محمد ، وقال الطبري : حدثنا معاذ بن المثنى ، حدثنا مسدد ، حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحق بن علي بن ربيعة قال : شهدت عليا - رضي الله عنه - أتي بدابة ليركبها ، فلما وضع رجله في الركاب قال : بسم الله ، فلما استوى على ظهرها قال : الحمد لله ، ثم قال : سبحان الذي سخر لنا هذا إلى قوله : منقلبون ، ثم قال : الحمد لله ثلاث مرات ، ثم قال : الله أكبر ثلاث مرات ، ثم قال : سبحانك إني ظلمت نفسي ، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، ثم ضحك ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، من أي شيء ضحكت ؟ فقال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل كما فعلت ، ثم ضحك ، فقلت : يا رسول الله ، من أي شيء ضحكت ؟ فقال : إن ربنا ليعجب من عبده إذا قال : اغفر ، قال : علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري . وأخرجه الترمذي ، والنسائي جميعا عن قتيبة ، عن أبي الأحوص . وأخرج الدارقطني في الأفراد من طريق عبد الله بن سعيد ، عن يونس بن جناب ، عن شقيق الأزدي ، عن علي بن ربيعة قال : أردفني علي خلفه ، فذكر الحديث .

(فإذا استوى على الرشاحلة ، واستوت تحته قال : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر سبع مرات ، وقال الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، اللهم أنت الحامل على الظهر ، والمستعان على الأمور) وقد جاء في رواية مسلم ، والترمذي التكبير ثلاثا عند الاستواء على الراحلة من حديث ابن عمر .

(السادسة في النزول ، والسنة أن لا ينزل حتى يحمى النهار ) وذلك لاغتنام السفر في بكرة النهار ، (ويكون أكثر سيره بالليل) خصوصا في البلاد الحارة كالحجاز ، واليمن (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عليكم بالدلجة ) بالضم ، والفتح سير الليل ، وهو اسم من الإدلاج بالتخفيف السير أول الليل ، أو من الادلاج بالتشديد ، وهو السير في الليل كله ، ولعله المراد هنا لقوله : (فإن الأرض تطوى بالليل) ، أي : ينزوي بعضها لبعض ، ويتداخل فيقطع المسافر فيه من المسافة ما لا يقطعه نهارا (ما لا تطوى بالنهار) قال العراقي : رواه أبو داود من حديث أنس دون قوله : ما لا تطوى بالنهار ، وهذه الزيادة في الموطأ من حديث خالد بن معدان مرسلا . أهـ .

قلت : أسنده ابن عبد البر في الاستيعاب من حديث عبد الله بن سعد الأسلمي ، ورواه الحاكم في الحج ، والجهاد ، والبيهقي بدون تلك الزيادة ، وقال الحاكم : على شرطهما ، وأقره الذهبي في موضع ، وقال في موضع آخر : إن سلم من مسلم بن خالد بن يزيد اليعمري فجيد ، وأما سند أبي داود فحسن .

(وليقلل نومه بالليل حتى يكون له ذلك عونا على السفر ) فيه (ومهما أشرف على منزل ، فليقل : اللهم رب السماوات السبع ، وما أظللن ، ورب الأرضين السبع ، وما أقللن)أي حملن (ورب الشياطين ، وما أضللن ، ورب الرياح ، وما ذرين ، ورب البحار ، وما جرين أسألك خير [ ص: 329 ] هذا المنزل ، وخير أهله ، وأعوذ بك من شر هذا المنزل ، وشر أهله ، وشر ما فيه ، اصرف عني شر شرارهم) قال الطبري في الدعاء : حدثنا القاسم بن عباد ، حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا حفص بن ميسرة ، عن موسى بن عتبة ، عن عطاء بن أبي مروان ، عن أبيه أن كعبا حلف بالله الذي فلق البحر لموسى - عليه السلام - أن صهيبا - رضي الله عنه - حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها : اللهم رب السموات السبع ، وما أظللن ، ورب الأرضين ، وما أقللن ، ورب الشياطين ، وما أضللن ، ورب الرياح ، وما ذرين نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ، ونعوذ بك من شر هذه القرية وشر أهلها ، وشر ما فيها .وقال كعب : إنها دعوة داود - عليه السلام - حين يرى العدو . ورواه الطبراني أيضا عن عبد الله بن محمد العمري ، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، عن حفص بن ميسرة هذا حديث حسن أخرجه النسائي ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم ، كلهم من رواية عبد الله بن وهب ، عن حفص بن ميسرة . وأخرجه ابن السني من طريق محمد بن أبي السري ، عن حفص ، ويروى بزيادة رجل بين أبي مروان ، وكعب ، وهكذا رواه الحسين بن محمد الزعفراني ، والعباس بن محمد الدوري ، وإبراهيم بن هانئ ، وهارون بن عبد الله ، أربعتهم عن سعد بن عبد الحميد ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن موسى بن عقبة ، عن عطاء ، عن أبيه أن عبد الرحمن بن معتب الأسلمي حدثه قال : قال كعب ، فذكر الحديث بطوله . أخرجه النسائي ، عن هارون بن عبد الله ، وأشار إلى ضعف زيادة عبد الرحمن في السند ، وقال : ابن حبان في الطبقة الثالثة من الثقات ، أبو مروان والد عطاء اسمه عبد الرحمن بن معتب ، روى عن كعب ، وعنه ابنه عطاء ، فعلى هذا أنه كان في الأصل عطاء بن مروان ، عن أبيه عبد الرحمن بن معتب ، وقد جاء هذا الحديث من وجه عن عطاء بن أبي مروان ، عن أبيه ، عن أبي معتب . قال الحافظ أبو عبد الله بن منده : أخبرنا أبو محمد بن حليمة ، حدثنا أبو حاتم الرازي ، حدثنا أبو جعفر النفيلي ، حدثنا محمد بن سلمة ، حدثنا محمد بن إسحق حدثني من لا أتهمه عن عطاء بن أبي مروان ، عن أبيه ، عن أبي معتب بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشرف على خيبر ، فقال لأصحابه : قفوا ، ثم قال : اللهم رب السموات السبع ، وما أظللن . فذكر الحديث ، وهكذا أخرجه النسائي ، عن إبراهيم بن يعقوب ، عن النفيلي ، والطبراني ، عن أبي شعيب الحراني ، عن النفيلي ، ووقع في رواية : وقال لأصحابه : قفوا ، فوقفوا ، وأنا فيهم . وهذا يدل على صحبة أبي معتب ، فكان الحديث عند أبي مروان بسندين : هذا ، والذي مضى ، وهو كعب ، عن صهيب ، وقد جاء الحديث عن أبي مروان قال فيه عن أبيه ، عن جده . قال المحاملي : حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدثنا يونس بن بكر ، عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع الأنصاري ، عن صالح بن كيسان ، عن أبي مروان الأسلمي ، عن أبيه ، عن جده قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر حتى إذا كنا قريبا ، وأشرفنا عليها قال للناس : قفوا ، فوقفوا ، فقال : اللهم رب السموات ، وما أظللن . فذكر الحديث مثل اللفظ الأول ، إلا الرياح زاد في آخره ، اقدموا بسم الله . هكذا جاء عن جده غير مسمى ، وكأنه المذكور قبل ، وهو أبو معتب بن عمرو ، فيصير هكذا أبو مروان عبد الرحمن بن معتب ، عن أبيه معتب عن جده ، أي : معتب ، وعلى هذا يكون سقط قوله : عن أبيه من رواية أبي إسحق ، ومدار هذا الحديث على أبي مروان المذكور ، وقد اختلف فيه اختلافا متباينا ، فذكره الطبري في الصحابة ، وذكر أخبارا مرفوعة ، وموقوفة تدل على ذلك ، لكنها كلها من رواية الواقدي ، وذكره الأكثر في التابعين ، وقال النسائي : لا يعرف . وذكره ابن حبان في أتباع التابعين ، وعلى القول الأول تكون روايته عن كعب الأحبار من رواية الصحابة عن التابعين ، وهي قليلة .

طريق آخر للحديث قال الطبراني : حدثنا الحسن بن علي المعمري ، ومحمد بن علي الطرائفي ، قالا : حدثنا علي بن ميمون الرقي ، حدثنا سعيد بن مسلمة ، حدثنا محمد بن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا خرجتم من بلادكم إلى بلد تريدونها فقولوا : اللهم رب السموات السبع ، وما أظلت . فذكر مثل الحديث الماضي ، لكن بالإفراد فيها ، وزاد : ورب الجبال أسألك خير هذا المنزل ، وخير ما فيه ، وأعوذ بك من شر هذا المنزل ، وشر ما فيه ، اللهم ارزقنا جناه ، واصرف [ ص: 330 ] عنا وباه ، وحببنا إلى أهله ، وحبب أهله إلينا . وسعيد به ضعف ، لكنه ترفع بحديث عائشة ، وهو ما أخرج ابن السني من طريق عيسى بن ميمون ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أشرف على الأرض يريد دخولها قال : اللهم إني أسألك من خير هذه الأرض ، وخير ما جمعت فيها ، وأعوذ بك من شرها ، وشر ما جمعت ، اللهم ارزقنا جناها ، وأعذنا من وباها . وحببنا إلى أهلها ، وحبب صالحي أهلها إلينا ، ولحديث ابن عمر طريق آخر ، قال الطبراني : حدثنا عبد الرحمن بن الحسين الصابوني ، حدثنا عبد الأعلى بن واصل ، حدثنا إسماعيل بن صبيح ، حدثنا مبارك بن حسان ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : كنا نسافر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا رأى قرية يريد دخولها قال : اللهم بارك لنا فيه ثلاث مرات ، اللهم ارزقنا جناها ، وجنبنا وباها . وذكر بقية الحديث مثل حديث عائشة ، وفي مبارك أيضا مقال ، ولكن بعض هذه الطرق يعضد بعضا (فإذا نزلت المنزل فصل فيه ركعتين) ، فقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما نزل منزلا إلا ودعه بركعتين (ثم قل أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق) قال أبو نعيم في المستخرج : حدثنا أحمد بن يوسف ، ومحمد بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله ، وإبراهيم بن محمد ، ومحمد بن إبراهيم ، قال الأول : حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا يحيى بن بكير ، وقال الثاني : حدثنا الحسن بن سفيان ، وقال الثالث ، والرابع : حدثنا محمد بن إسحق قال : حدثنا قتيبة ، وقال الخامس : حدثنا محمد بن زياد ، أخبرنا محمد بن رمح قال الثلاثة : حدثنا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن الحرث بن يعقوب أن يعقوب بن عبد الله بن الأشج حدثه أن بسر بن سعيد حدثه أن سعد بن أبي وقاص حدثه قال : سمعت خولة بنت حكيم تقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من نزل منزلا فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لا يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك . هذا حديث أخرجه مالك بلاغا عن يعقوب . وأخرجه مسلم ، والترمذي ، والنسائي جميعا عن قتيبة ، ومسلم أيضا عن محمد بن رمح ، ورواه المحاملي عن إبراهيم بن هانئ ، عن عبد الله بن صالح ، عن الليث ، وقال الطبراني : حدثنا أبو يزيد القراطيسي ، حدثنا عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث أن يزيد بن أبي حبيب ، والحرث بن يعقوب حدثاه عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج ، عن بسر بن سعيد ، عن سعد بن أبي وقاص ، عن خولة بنت حكيم السلمية أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا نزل أحدكم منزلا فليقل : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ؛ فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه . رواه أبو نعيم عن محمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن الحسن ، حدثنا حرملة ، عن ابن وهب ، ورواه المحاملي عن إبراهيم بن هانئ ، عن عثمان بن صالح ، عن ابن وهب ، ورواه أبو نعيم أيضا عن عبد الله بن محمد ، عن ابن معدان ، عن يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، ورواه أيضا عن محمد بن عبد الله بن سعيد ، عن عبدان بن أحمد عن أبي الطاهر بن السرح ، عن ابن وهب . وأخرجه مسلم ، عن أبي الطاهر بن السرح ، وهارون بن سعيد الأيلي ، عن ابن وهب . وأخرجه ابن خزيمة ، وأبو عوانة ، عن يونس بن عبد الأعلى ، واتفق مالك ، والليث ، وتابعهما ابن لهيعة عن شيوخهم ، عن يعقوب ، عن بسر ، وخالفهم محمد بن عجلان . وكذلك أخرجه أحمد عن عفان ، وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن عفان ، فإن كان ابن عجلان حفظه حمل على أن ليعقوب فيه شيخين ، وقد وقع هذا الحديث من وجه آخر في مسند الإمام أحمد قال : حدثنا أبو معاوية ، ويزيد بن هارون ، ومحمد بن يزيد فرقهم ثلاثتهم مظنون . قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من نزل منزلا فقال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق - زاد يزيد : ثلاثا - إلا وقي شر منزله حتى يظعن منه . أخرجه العقيلي في الضعفاء في ترجمة الربيع بن مالك ، وكذا ذكره ابن حبان في الضعفاء ، وقال : لا أدري جاء الضعف منه ، أو من الحجاج (فإذا جن عليه الليل ، فليقل : يا أرض ربي وربك الله ، أعوذ بالله من شرك ، وشر ما فيك ، وشر ما دب عليك ، أعوذ بالله من شر كل أسد ، وأسود ، وحية ، وعقرب ، ومن ساكن البلد ، ووالد ، وما ولد ، وله ما سكن في الليل ، والنهار ، وهو السميع العليم) قال أحمد في المسند : حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ، عن صفوان بن عمرو ، حدثني [ ص: 331 ] شريح بن عبيد أنه سمع الزبير بن الوليد يحدث عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا غزا ، أو سافر ، فأدركه الليل قال : يا أرض ربي وربك الله ، أعوذ بالله من شرك ، وشر ما فيك ، وشر ما خلق فيك ، وشر ما دب عليك ، أعوذ بالله من شر أسد ، وأسود ، ومن حية ، وعقرب ، ومن ساكن البلد ، ومن والد ، وما ولد . هذا حديث حسن أخرجه أبو داود ، والنسائي في الكبرى ، جميعا من طريق بقية بن الوليد عن صفوان ، ورواه المحاملي ، عن العباس بن عبد الله ، ومحمد بن هارون ، كلاهما عن أبي المغيرة ، والزبير المذكور شامي تابعي انفرد شريح بالرواية عنه ، وهو حمصي ثقة . وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن أبي المغيرة ، وقال : صحيح الإسناد .




الخدمات العلمية