الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4469 [ ص: 382 ] (باب منه)

                                                                                                                              وهو في النووي ، في (الباب المتقدم) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص 203 ج 15، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن عائشة رضي الله عنه، قالت: قال لي رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم "إني لأعلم: إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى" قالت: فقلت: ومن أين تعرف ذلك؟ قال: "أما إذا كنت عني راضية، فإنك تقولين: لا ورب محمد! صلى الله عليه) وآله (وسلم، وإذا كنت غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم!" قالت: قلت: أجل! والله! يا رسول الله! ما أهجر إلا اسمك) .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              قال القاضي : مغاضبة عائشة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، هي مما سبق من الغيرة ، التي عفي عنها للنساء : في كثير من الأحكام ، كما سبق : لعدم انفكاكه منها. حتى قال مالك ، وغيره من علماء المدينة : يسقط عنها الحد ، إذا قذفت زوجها : بالفاحشة ، على جهة الغيرة .

                                                                                                                              قال: واحتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ أنه [ ص: 383 ] قال : "ما تدري الغيراء أعلى الوادي من أسفله" . ولولا ذلك : لكان على " عائشة " في ذلك من الحرج : ما فيه . لأن الغضب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهجره : كبيرة عظيمة . ولهذا قالت : "لا أهجر إلا اسمك" . فدل على أن قلبها وحبها كما كان . وإنما الغيرة في النساء : لفرط المحبة .

                                                                                                                              قال: واستدل بعضهم بهذا : أن الاسم غير المسمى ، في المخلوقين . وأما في حق الله تعالى : فالاسم هو المسمى . قال: وهذا كلام من لا تحقيق عنده : من معنى المسألة لغة ، ولا نظرا . ولا شك (عند القائلين : بأن الاسم هو المسمى ؛ من أهل السنة وجماهير أهل اللغة ، أو مخالفيهم من المعتزلة) : أن الاسم قد يقع أحيانا ، والمراد به : "التسمية" حيث كان ؛ في خالق ، أو مخلوق؛ ففي حق الخالق : تسمية المخلوق له "باسمه" ، وفعل المخلوق ذلك بعباراته المخلوقة .

                                                                                                                              وأما أسماؤه سبحانه وتعالى ، "التي سمى بها نفسه" فقديمة . كما أن ذاته وصفاته قديمة . وكذلك لا يختلفون : أن لفظة "الاسم" - إذا تكلم بها المخلوق ، فتلك اللفظة ، والحروف ، والأصوات المقطعة ، المتفهم منها الاسم - : أنها غير الذات ، بل هي التسمية .

                                                                                                                              [ ص: 384 ] وإنما الاسم الذي هو الذات : ما يفهم منه ؛ من خالق ومخلوق . هذا آخر كلام القاضي .

                                                                                                                              وأقول : البحث في أن الأسماء عين المسميات ، أم هي غيرها : بدعة حدثت بعد الصدر الأول ، أحدثها المتكلمون : من غير ملجئ إليها ، ولا طائل تحته . وهو من باب الخوض المنهي عنه . وقد درج السلف الصالح ، وهم في عافية من ذلك وأمثاله . فإن كنت أيها الإنسان! تريد الاقتداء بهم : فالزم طريقتهم ، وجانب طريقة المتكلمين . قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون .

                                                                                                                              والحديث : دل على فضل " عائشة " ، من حيث تحمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مغاضبتها . وفعل الصبر على غيرتها، ومقاولتها : بهجر الاسم .

                                                                                                                              وفيه أيضا: دلالة على غاية محبته صلى الله عليه وآله وسلم ، بها. وهي من نفائس الفضائل . فإنك مع من أحببت ، والمرء مع من أحب .




                                                                                                                              الخدمات العلمية