الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولا يصح بيع المبيع قبل قبضه ) ولو تقديرا بالإجماع في الطعام لخبر { من ابتاع طعاما فلا يبعه [ ص: 85 ] حتى يستوفيه } وخبر حكيم بن حزام بسند حسن { يا ابن أخي لا تبيعن شيئا حتى تقبضه } وعلته ضعف الملك لانفساخه بتلفه كما مر ، وتعبيره بلا يصح أنص على الغرض من تعبير كثير بلا يجوز ، وخرج بالمبيع زوائده الحادثة بعد العقد فيصح بيعها لانتفاء ضمانها كما مر ، ويمتنع التصرف بعد القبض أيضا إذا كان الخيار للبائع أو لهما كما علم مما مر ، وشمل كلامه ما لو كان المبيع معينا أو في الذمة ولا يرد على المصنف كما مرت الإشارة إليه إحبال أبي المشتري الأمة المبيعة قبل القبض لأنها به تنتقل لملك الأب فيلزم تقدير القبض قبله ، ولا نفوذ تصرف الوارث أو السيد فيما اشتراه من مكاتبه فعجز نفسه أو مورثه ولا وارث له غيره فمات قبل القبض لعوده له بالتعجيز والموت فلم يملك بالشراء ، ولا بيع العبد من نفسه لأنه عقد عتاقة ، ولا قسمته لأنها وإن كانت بيعا إلا أنها ليست على قوانين البيوع لأن الرضا فيها غير معتبر فلا يعتبر القبض قبل كالشفعة ( والأصح أن بيعه للبائع كغيره ) لعموم النهي السابق ولضعف الملك والثاني يصح كبيع المغصوب من الغاصب ، ومحل الخلاف إذا باعه بغير جنس الثمن أو بزيادة أو نقص أو تفاوت صفة وإلا فهو إقالة بلفظ البيع كما نقلاه عن المتولي وأقراه فيصح ، وبناهما القاضي على أن العبرة في العقود باللفظ أو بالمعنى ، والمعول عليه عدم إطلاق القولين بترجيح واحد منهما مطلقا بل تارة يراعون هذا وتارة يراعون هذا بحسب المدرك ( و ) الأصح ( أن الإجارة والرهن ) والكتابة ( والهبة ) والصدقة والإقراض [ ص: 86 ] وجعله عوض نكاح أو خلع أو صلح أو سلم والتولية والإشراك فيه ( كالبيع ) فلا يصح لأن كلا منها عقد يقصد به تمليك المال في الحال فأشبه البيع ، والثاني يصح بناء على أن العلة فيه توالي ضمانين ، وأفهم إطلاقه منع الرهن عدم الفرق بين رهنه من البائع وغيره وبين أن يكون له حق الحبس أو لا ، وهو ما اقتضاه كلام الروضة وأصلها وإن نقل السبكي عن النص واعتمده هو ومن تبعه أن محل منعه من البائع إن كان بالثمن حيث له حق الحبس لانتفاء فائدة الرهن إذ هو محبوس بالدين وإلا جاز .

                                                                                                                            وقضية قولهم وإلا جاز صحته منه بغير الثمن وإن كان له حق الحبس ، وقضية العلة خلافه وهو الأوجه ، وخرج بإجارة المبيع ما لو أجر المستأجر العين المؤجرة قبل قبضها فإنها صحيحة ، لكن من المؤجر فقط لأن المعقود عليه فيها المنافع وهي لا تصير مقبوضة بقبض العين فلم يؤثر فيه عدم قبضها .

                                                                                                                            لا يقال : قضية العلة صحتها من غير المؤجر أيضا لأنا نقول : مرادنا بنفي إمكان قبض المنافع نفي إمكان قبضها الحقيقي لتصريحهم كما يأتي في السلم بأن قبضها بقبض محلها ، ولقوة جانب المؤجر لم يشترط فيه هذا القبض التقديري بخلاف غيره ( و ) الأصح ( أن الإعتاق بخلافه ) فيصح لتشوف الشارع له ، وسواء أكان للبائع حق الحبس أم لا لقوته وضعف حق الحبس ومثله الاستيلاء والتدبير والتزويج والقسمة وإباحة نحو الطعام اشتراه جزافا للفقراء ، والوقف وإن احتاج إلى قبول كما في المجموع خلافا لما في الشرح والروضة عن التتمة من أن الوقف إن شرط فيه القبول فكالبيع وإلا فكالإعتاق ، مع أن الأصح كما يأتي في كلام المصنف في باب الوقف اشتراط قبول المعين ، وسواء أكان المشتري موسرا أم معسرا ، وإنما لم ينفذ إعتاق الراهن لمعسر لأنه حجر على نفسه .

                                                                                                                            والثاني لا يصح كالبيع لاشتراكهما في إزالة الملك ، وفارق الإعتاق الكتابة بأن له قوة لا توجد فيها ، ولا يصح العتق على مال لأنه بيع ولا عن كفارة الغير [ ص: 87 ] لأنه هبة ، ويكون بنحو العتق والوقف قابضا لا بالتدبير والتزويج ونحوهما ، وكذا الطعام المباح للفقراء قبل قبضهم له فإن قبضوه كان قابضا ( والثمن المعين ) نقدا أو غيره ( كالمبيع ) في جميع ما مر لعموم النهي له ، ولو أبدله المشتري بمثله أو بغير جنسه برضا البائع فهو كبيع المبيع للبائع فلا يصح إلا إن كان الاعتياض عنه بعين المبيع أو بمثله إن تلف أو كان في الذمة ، ومما شمله التشبيه فساد التصرف قبل قبضه المذكور ضمنا في قوله ( فلا يبيعه البائع ) يعني لا يتصرف فيه كما بأصله ( قبل قبضه ) لا من المشتري ولا من غيره نظير ما مر لعموم النهي وللعلتين السابقتين ، وكل عين مضمونة في عقد معاوضة كأجرة وعوض صلح عن مال أو دم وبدل خلع أو صداق كذلك

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : قبل قبضه ) قال في شرح الروض : وإن أذن البائع وقبض الثمن ا هـ سم على حج ( قوله : ولو تقديرا ) أي ولو كان القبض المنفي تقديرا كأن اشترى طعاما مقدرا [ ص: 85 ] بالكيل فقبضه جزافا لا يصح التصرف فيه حتى يكيله ويدخل في ضمانه ( قوله : يا ابن أخي ) ذكره تعطفا به ( قوله : بلا يجوز ) أي لأنه لا يلزم من عدم الجواز عدم الصحة كالبيع وقت نداء الجمعة وكبيع العنب لعاصر الخمر ( قوله : فلم يملكه بالشراء ) قضيته انفساخ البيع بموت المورث فلينظر سبب ذلك ، بل قد يقال ، تعلق الدين مع ذلك بالثمن كما صرح به الروض كغيره يدل على أنه يملكه بالشراء ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            ويصرح به قول الشارح قبل وفي معنى إتلافه : أي المشتري كما مر ما لو اشترى أمة فأحبلها أبوه إلى آخر ما ذكر ، وأراد بما مر قوله قبل ولا إحبال أبي المشتري الأمة إلى أن قال : لأن قبض المشتري موجود في الثلاثة حكما ( قوله : ولا بيع العبد من نفسه ) أي قبل قبضه ا هـ سم على حج ( قوله : ولا قسمته ) أي المبيع أي إذا كانت غير رد على ما يؤخذ من قوله لأن الرضا فيها غير معتبر ( قوله : وبناهما ) المتبادر رجوع الضمير للأصح ، ومقابله وهو غير مراد بل الظاهر أن ثم من قال بعدم الصحة فيما لو باع بمثل الثمن المشار إليه بقوله وإلا فهو إقالة إلخ وأن القاضي أشار إلى بناء هاتين المقالتين ( قوله : بل تارة يراعون ) أي والغالب عليهم مراعاة اللفظ ما لم يقو جانب المعنى ومن ثم وقع في عبارة غير واحد أن العبرة في العقود [ ص: 86 ] بالألفاظ ( قوله : وهو ما اقتضاه كلام الروضة ) معتمد ( قوله : إن كان بالثمن إلخ ) ضعيف ( قوله : وقضية العلة ) وهي قوله لأن كلا منها عقد إلخ ( قوله : فإنها صحيحة ) أي ولو بأكثر من الأجرة الأولى أو بغير جنسها أو صفتها ( قوله : فلم يؤثر فيه عدم قبضها ) قضيته أن مثل المبيع الصداق وعوض الخلع وغيرهما من كل ما ملك بعقد من الأعيان وهو ظاهر .

                                                                                                                            ( قوله : والقسمة ) أي إذا كانت غير رد لما تقدم من قوله لأن الرضا فيها غير معتبر ( قوله : وإن احتاج إلى قبول ) بأن كان على معين ( قوله : عن التتمة ) زاد في المنهج الوصية أيضا فتكون الصور ثمانية ( قوله لأنه حجر ) أي بالرهن ( قوله : بأن له ) أي الإعتاق ( قوله : لا توجد فيها ) أي الكتابة ( قوله ولا يصح العتق على مال ) أي من غير العبد المبيع لما مر من صحة بيع العبد من نفسه ولقوله هنا لأنه بيع ( قوله : ولا عن كفارة الغير ) أي بل [ ص: 87 ] ولا بالهبة الضمنية كما لو قال له أعتق عبدك عني ولم يذكر عوضا فأجابه ( قوله ونحوهما ) أي كإباحة الطعام للفقراء ( قوله : ويكون بنحو العتق ) أي وهو الاستيلاد ( قوله : فإن قبضوه إلخ ) ولعل الفرق بين إباحة الطعام للفقراء وبين الصدقة والهدية حيث لم يصح شيء منها أن كلا من الصدقة وما معها طريق للملك بذاته بمعنى أن صيغها محصلة للتمليك وطريق فيه ، وإن توقف تمامه على القبض وإباحة الطعام ليس فيها ما يقتضي الملك لذاته وإنما يقتضيه تلازمه وهو أكلهم له مثلا كالضيف فإنه لا يملك ما قدم له ، وإنما يملكه بالوضع في الفم على الراجح أو بالازدراد على مقابله ، ثم رأيت في حج : وفارق الوقف كإباحة التصدق بأنه تمليك بخلافهما ( قوله : للعلتين السابقتين ) هما ضعف الملك وتوالي ضمانين



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            . [ ص: 84 ] قوله : ولو تقديرا ) غاية في القبض فكأنه قال : لا يصح بيعه قبل قبضه الحقيقي والتقديري : أي فالشرط وجود القبض ولو التقديري حتى يصح التصرف إذا وضعه البائع كما مر وإن لم يحصل القبض الحقيقي ، وما في حاشية الشيخ مما حاصله يرجع إلى أنه غاية في المبيع فكأنه قال : لا يصح بيع المبيع ولو مقدرا بنحو الكيل أو الوزن قبل قبضه يبعده أنه لو كان هذا غرضه لكان المناسب في الغاية أن يقول ولو غير مقدر ; إذ المقدر يشترط فيه ما لا يشترط في غيره كما لا يخفى [ ص: 85 ] قوله : وخبر حكيم بن حزام ) أي في غير الطعام فهو معطوف على قوله بالإجماع ، وقوله : لخبر من ابتاع إلخ بيان المستند الإجماع فتأمل . ( قوله : ولا يرد على المصنف كما مرت الإشارة إليه إحبال أبى المشتري إلخ ) كأن وجه ورود هذه أنا نقدر قبل دخولها في ملك الأب بالإيلاد أن المشتري باعها له وإلا فلا وجه لورودها . ( قوله : فلم يملكه بالشراء ) هذا لا يلائم ما قدمه في هاتين المسألتين ، ويوافق ما مر قول الروض وما اشتراه من مورثه : ومات قبل قبضه فله بيعه وإن كان مديونا ودين الغريم متعلق بالثمن وإن كان له وارث آخر ينفذ بيعه في قدر نصيب الآخر حتى يقبضه ا هـ .

                                                                                                                            إذ هو صريح في أنه ملكه بالشراء ، وفي كلام الأذرعي هنا ما يوافق ما ذكره الشارح هنا ، وبالجملة فكلامهم في مسألة الإرث والكتابة كالمضطرب فليحرر . ( قوله : ولا بيع العبد من نفسه ) أي قبل قبضه . ( قوله : ولا قسمته ) أي تعديلا إذ الإفراز ليس بيعا فلا وجه لوروده ، والرد لا بد فيه من الرضا . ( قوله : وبناهما القاضي على أن العبرة في العقود إلخ ) صوابه وبناه بإفراد الضمير ، وعبارة القوت والوجهان إذا باعه بغير جنس الثمن أو بزيادة أو نقص أو تفاوت صفة وإلا فهو إقالة بلفظ البيع ، قاله في التتمة ، وبناه القاضي الحسين على أن النظر لصيغ [ ص: 86 ] العقود أو لمعانيها إن اعتبرنا اللفظ فعلى الوجهين أو المعنى فهو إقالة انتهت . ( قوله : تمليك المال في الحال ) فيه نظر بالنسبة للرهن . ( قوله : بناء على أن العلة توالي ضمانين ) ومعناه كما قال الأذرعي أنا لو نفذنا البيع لكان مضمونا عليه للمشتري الثاني ومضمونا له على بائعه ، وقد يتلف قبل القبض فقدر انقلابه من ملك المشتري الثاني إلى المشتري الأول ومنه إلى البائع قبل التلف ويستحيل ملك شخصين في زمن واحد .

                                                                                                                            واعلم أن هذا التعليل لا يتأتى في عوض الخلع وما بعده فهو ليس من محل الخلاف فكان ينبغي تأخير ذلك عن ذكر مقابل الأصح كما في كلام غيره . ( قوله : وقضية العلة خلافه ) قال الشهاب سم : قد يناقش فيه بأن قبوله الرهن عن غير الثمن يتضمن فك الحبس بالثمن ، وقد تدفع المناقشة بأن الحبس على الثمن بمنزلة الرهن ، وسيأتي في الرهن أنه لا يجوز أن يرهنه المرهون عنده بدين آخر ولو كان القبول بمنزلة الفك لجاز ذلك . ( قوله : والقسمة ) أي : قسمة غير الرد [ ص: 87 ] قوله : في جميع ما مر ) أي من أول الباب إلى هنا كما قدم هو ذلك في أول الباب بقوله ومثله في جميع ما يأتي الثمن انتهى .

                                                                                                                            وحينئذ فتعليله بقوله لعموم النهي قاصر لاقتضائه أن التشبيه قاصر على عدم صحة التصرف قبل القبض . ( قوله : لعموم النهي ) أي : في خبر حكيم بن حزام المتقدم حيث قال فيه : يا ابن أخي لا تبيعن شيئا حتى تقبضه ، فشمل الشيء المبيع والثمن وما في معناهما وإن كان عمومه لنحو الأمانة غير مراد ( قوله : إلا إن كان الاعتياض عنه بعين الثمن أو بمثله ) أي فإنه إقالة . ( قوله : يعني لا يتصرف فيه ) لك أن تقول : عبارة المصنف أولى بل أصوب ; فإن عموم عدم صحة التصرف لا يصح إذ منه الإعتاق ونحوه مما مر ، ولا يخرج من عبارة المصنف التصرف بغير البيع مما ذكر معه ; لأنه جعل هناك البيع أصلا إذ هو المتفق عليه لوروده بالنص ، وحمل عليه بقية التصرفات بطريق القياس كما أشار إليه بالتشبيه ، فنص هنا على الأصل ليقاس به نحوه كما قيس به ثم على أنه معلوم من التشبيه في قوله والثمن المعين كالمبيع ومن ثم أردفه الشارح بقوله في جميع ما مر ، وإنما نص على بعض الأفراد الذي هو الأصل للإيضاح وليقاس عليه غيره مما ذكر أنه مثله فتأمل . ( قوله : لا من المشتري ولا من غيره إلخ ) عبارة التحفة لا من المشتري إلا في نظير ما مر من بيع المبيع للبائع ولا من غيره لعموم النهي ولما مر من العلتين ، ومراده بالعلتين ما قدمه كغيره عقب قول المصنف ولا يصح بيع المبيع قبل قبضه من قوله وعلته ضعف الملك لانفساخه بتلفه كما مر ، وقيل اجتماع ضمانين على شيء واحد وبتأملها [ ص: 88 ] تعلم ما في كلام الشارح أولا وآخرا من المؤاخذات




                                                                                                                            الخدمات العلمية