الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1608 [ ص: 69 ] ( 7 ) باب عقل الجنين . 1590 - مالك ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن [ ص: 70 ] [ ص: 71 ] عوف ، عن أبي هريرة ، أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى ، فطرحت جنينها ، فقضى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغرة : عبد أو وليدة .

                                                                                                                        1591 - مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة : عبد أو وليدة ، فقال الذي قضي عليه : كيف أغرم ما لا شرب ولا أكل ، ولا نطق ولا استهل ، ومثل ذلك بطل ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إنما هذا من إخوان الكهان " .

                                                                                                                        [ ص: 72 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 72 ] 36928 - قال أبو عمر : هكذا روى مالك هذين الحديثين ، عن ابن شهاب فأرسل عنه حديث ابن المسيب ، وأسند عنه حديث أبي سلمة ، ولم يذكر في واحد منهما قتل المرأة ، وأظنه أسقطه ، لما فيه من القضاء بالدية على عاقلة المرأة القاتلة بالحجر ، والمسطح ، وهو العود ، وذلك شبه العمد ، وهو عنده باطل .

                                                                                                                        36929 - فكذلك - والله أعلم - لم يذكره في كتابه ، وقد ذكر ذلك غيره من رواية ابن شهاب . وقد رواه الليث بن سعد ، عن ابن مسافر ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، كما رواه مالك مسندا ، لم يذكر فيه قتل المرأة .

                                                                                                                        36930 - حدثني عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثني قاسم ، قال : حدثني روح بن الفرج القطان ، قال : حدثني ابن عفير ، قال : حدثني الليث ، عن ابن مسافر ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، وخالفه قتيبة في إسناده عن الليث ، وسنذكره .

                                                                                                                        36931 - وأما يونس ، ومعمر ، فذكرا ذلك .

                                                                                                                        36932 - أخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثني محمد بن بكر ، قال حدثني أبو داود ، قال : 36933 - حدثني وهب بن بيان ، وأحمد بن عمرو بن السرح ، قالا : حدثني ابن وهب ، قال أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : اقتتلت امرأتان من هذيل ، فرمت إحداهما الأخرى [ ص: 73 ] بحجر فقتلتها ، فاختصموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن دية جنينها غرة : عبد ، أووليدة ، وقضى بدية المرأة على عاقلتها ، وورثها ولدها ومن معهم ، فقال حمل بن مالك بن النابغة الهذلي ، : يا رسول الله ، كيف أغرم ما لا أكل ، ولا شرب ، ولا نطق ، ولا استهل ، ومثل ذلك يطل ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما هذا من إخوان الكهان " . من أجل سجعه الذي سجع .

                                                                                                                        36934 - قال أبو داود : وحدثني قتيبة بن سعيد : قال : حدثني الليث ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، في هذه القصة ، قال : ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت : فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن ميراثها لبنيها ، والعقل على عصبتها .

                                                                                                                        36935 - قال أبو عمر : هذا بين في أن شبه العمد على العاقلة ، وأن العقل على العصبة دون الورثة ، إلا أن يكون العصبة ورثة ، فيحملون من الدية بقدرهم .

                                                                                                                        36936 - وروى هذا الحديث معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : اقتتلت امرأتان من هذيل ، فرمت إحداهما الأخرى بحجر ، فأصابت بطنها ، فقتلتها ، وأسقطت جنينا ، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعقلها على عاقلة القاتلة ، وفي جنينها بغرة : عبد ، أو وليدة .

                                                                                                                        [ ص: 74 ] 36937 - قال أبو عمر : احتج بهذه الأحاديث من أثبت شبه العمد ، وجعله على العاقلة ، ولم ير فيه قودا .

                                                                                                                        36938 - وشبه العمد هو أن يعمد الضارب إلى المضروب بحجر ، أو عصا ، أو سوط ، أو عمود ، أو ما الأغلب فيه أن لا يقتل مثله من الحديد وغيره ، على ما ذكرنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، وغيرهم من العلماء في صفة شبه العمد ، في باب دية العمد إذا قبلت ، من هذا الكتاب .

                                                                                                                        36939 - وذكرنا هناك حديث ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، عن عمر ، أنه نشد الناس ما قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنين ، فقام حمل بن مالك ، فقال : كنت بين امرأتين ، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح ، فقتلتها وجنينها ، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنينها بغرة : عبد ، وأن تقتل مكانها .

                                                                                                                        36940 - وهذه حجة لمالك ، ومن قال بقوله ، في نفي حكم شبه العمد .

                                                                                                                        36941 - وقالوا : إن كل ما عمد به ، فهو عمد ، وفيه القود .

                                                                                                                        36942 - وقد اتفق على هذه الرواية عن ابن جريج ، حجاج بن محمد [ ص: 75 ] الأعور ، وأبو عاصم الضحاك بن مخلد ، ولو انفرد واحد منهما بذلك ، لكان حجة ، فكيف وقد اتفقا على ذلك ؟ 36943 - وتصحيح ذلك قضاء عمر به .

                                                                                                                        36944 - ذكر أبو بكر ، قال : حدثني شريك ، عن زيد بن جبير ، عن جروة بن حميل ، عن أبيه ، قال : قال عمر : يعمد أحدكم إلى أخيه فيضربه بمثل أكلة اللحم ، لا أوتى برجل فعل ذلك إلا أقدته منه .

                                                                                                                        36945 - وقال معمر ، عن الزهري ، في الضارب بالعصا عمدا ، إذا قتلت صاحبها ، قتل الضارب .

                                                                                                                        36946 - فإن قيل : إن حديث ابن جريج رواه الحميدي ، عن هشام بن سليمان ، عن ابن جريج بإسناده ، ولم يقل فيه : " وأن تقتل المرأة " . قيل له : من لم يرد كذا الشيء ، فليس بشاهد ، ولا حجة في ما قضى عنه .

                                                                                                                        36947 - فإن قيل : إن ابن عيينة قد روى هذا الحديث ، عن عمرو بن دينار ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، قال : قال عمر : أذكر الله امرءا سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في الجنين ، فقام حمل بن مالك بن النابغة ، فقال : يا أمير المؤمنين ، كنت بين جاريتين - يعني ضرتين - فضربت إحداهما الأخرى بالمسطح - عمود خبائها - فقتلتها ، وقتلت ما في بطنها ، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنين بغرة : عبد أو أمة ، فقال عمر : الله أكبر ، لو لم نسمع هذا ، قضينا بغيره .

                                                                                                                        36948 - فلم يذكر فيه ابن عيينة " قتل المرأة الضاربة بالمسطح " .

                                                                                                                        [ ص: 76 ] 36949 - قيل له : ولا ذكر فيه أن ديتها على العاقلة وقد ذكره ابن جريج ، ومن لم يذكر الشيء ، فقد قصر ، والحجة في ذكر من ذكر .

                                                                                                                        36950 - قال أبو عمر : إلا أنه قد اختلف على حمل بن مالك ، في حديثه هذا .

                                                                                                                        36951 - وروى شعبة ، عن قتادة ، عن أبي المليح الهذلي ، عن حمل بن مالك ، قال : كانت لي امرأتان ، فرمت إحداهما الأخرى ، فأصابتها ، فقتلتها وهي حامل ، فألقت جنينها ، فماتت ، فرفع ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدية على العاقلة ، وقضى في الجنين بغرة : عبد أو أمة ، أو مائة شاة ، أو عشرة من الإبل .

                                                                                                                        36952 - فحصل حديث حمل بن مالك بن النابغة الأعرابي الهذلي مختلفا فيه ، ولم يختلف الحديث ، عن أبي هريرة في ذلك ، إلا من قصر فلم يذكر دية المرأة .

                                                                                                                        36953 - وكذلك لم يختلف في ذلك أيضا في حديث المغيرة بن شعبة ، وهو حديث رواه الثوري ، وشعبة ، وجرير ، وغيرهم عن منصور ، عن إبراهيم عن عبيد بن نضلة الخزاعي ، عن المغيرة بن شعبة ، قال : ضربت ضرة ضرة لها بعمود فسطاط ، فقتلتها ، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بديتها على عصبة القاتلة ، ولما في بطنها غرة ، فقال الأعرابي : يا رسول الله ! أتغرمني من لا طعم ، ولا شرب ، ولا صاح ، ولا استهل ! مثل ذلك يطل ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : " أسجع كسجع الأعراب " .

                                                                                                                        [ ص: 77 ] 36954 - وروى سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، هذا الخبر فيه : فأسقطت غلاما قد نبت شعره ميتا ، وماتت المرأة ، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على العاقلة بالدية .

                                                                                                                        36955 - وروي عن مجالد عن الشعبي ، عن جابر ، أن امرأتين من هذيل ، فذكر الحديث ، وقال فيه : 36956 - فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دية المقتولة على عاقلة القاتلة ، وبرأ زوجها وولدها ، فقال : عاقلة المقتولة ميراثها لنا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " لا ، ميراثها لزوجها وولدها " .

                                                                                                                        36957 - قال أبو عمر : وعلى هذا جمهور الناس ، أن الميراث للورثة ، والعقل على العصبة .

                                                                                                                        36958 - ولم تختلف الروايات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى في الجنين سقط ميتا ، يضرب بطن أمه وهي حية حين رمته ، بغرة : عبد ، أو أمة .

                                                                                                                        36959 - هذا ما لم يختلف فيه أحد علمته .

                                                                                                                        36960 - واختلفت الروايات ، في الزيادة على قوله عليه السلام : " في الغرة ، عبد أو أمة " .

                                                                                                                        [ ص: 78 ] 36961 - روى ابن عيينة ، قال : أخبرني ابن طاوس ، عن أبيه ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بغرة : عبد أو أمة ، أو فرس .

                                                                                                                        36962 - وروى عيسى بن يونس ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنين بغرة : عبد أو أمة ، أو فرس ، أو بغل .

                                                                                                                        36963 - وهو قول مجاهد ، وطاوس ، وعطاء ، قالوا : في الغرة : عبد ، أو أمة ، أو فرس .

                                                                                                                        36964 - وقال بعضهم ، أو بغل . ورفعه عطاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كما رفعه طاوس .

                                                                                                                        36965 - وقد تقدم في حديث أبي المليح الهذلي عن حمل بن مالك ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في الجنين بغرة : عبد أو أمة ، أو مائة شاة ، أو عشرين من الإبل .

                                                                                                                        36966 - قال أبو عمر : أجمع العلماء أن الغرة تجب في الجنين الذي يسقط من بطن أمه ميتا وهي حية في حين سقوطه ، وأن الذكر والأنثى في ذلك سواء ، في كل واحد منهما الغرة .

                                                                                                                        36967 - واختلفوا على من تجب الغرة في ذلك ، فقالت طائفة منهم ، مالك ، والحسن بن حي : هي في مال الجاني .

                                                                                                                        36968 - وهو قول الحسن البصري ، والشعبي .

                                                                                                                        [ ص: 79 ] 36969 - وقال آخرون : هي على العاقلة ، وممن قال ذلك ، الثوري ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم .

                                                                                                                        36970 - وهو قول إبراهيم ، وابن سيرين .

                                                                                                                        36971 - وقد حدثني سعيد بن نصر ، قال : حدثني قاسم ، قال : حدثني محمد ، قال : حدثني أبو بكر .

                                                                                                                        36972 - وقد حدثني يونس بن محمد ، قال : حدثني عبد الواحد بن زياد ، عن المجالد ، عن الشعبي ، عن جابر بن عبد الله ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل في الجنين غرة على عاقلة القاتلة ، وبرأ زوجها وولدها .




                                                                                                                        الخدمات العلمية