الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو بيع الشيء تقديرا كثوب وأرض ذرعا ) بالمعجمة ( وحنطة كيلا أو وزنا ) [ ص: 100 ] ولبن عدا ( اشترط ) في قبضه ( مع النقل ذرعه ) في الأول ( أو كيله ) في الثاني ( أو وزنه ) في الثالث أو عده في الرابع لورود النص في الكيل في خبر مسلم { من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يكتاله } دل على أنه لا يحصل فيه القبض إلا بالكيل ، وليس بمعتبر في بيع الجزاف بالإجماع فتعين فيما قدر بكيل وقيس به البقية ، وعبر بأو تارة وبالواو أخرى لما علم من كلامه من تعذر اجتماع الذرع مع غيره بخلاف الوزن والكيل ، أو لئلا يتوهم اشتراط اجتماعهما وإنما قدر بأحدهما ولا بد من وقوع ذلك من البائع أو نائبه ، فلو أذن للمشتري أن يكتال من الصبرة عنه لم يجز لاتحاد القابض والمقبض كما ذكراه هنا ، وما وقع في كلامهما قبل ذلك مما يخالفه يمكن تأويله ، ولو قبضه جزافا أو أخذه بمعيار غير ما اشتراه به كان ضامنا أخذا مما مر لا قابضا .

                                                                                                                            فلو تلف في يده ففي انفساخ العقد وجهان صحح منهما المتولي المنع لتمام القبض وحصول المال في يده حقيقة وإنما بقي معرفة مقداره وهو المعتمد ، [ ص: 101 ] وسكت الشيخان عن ترجيحه هنا لأنهما جريا عليه في باب الربا ولو تنازعا فيمن يكيل نصب الحاكم كيالا أمينا يتولاه ، ويقاس بالكيل غيره وأجرة كيال المبيع أو وزانه أو من ذرعه أو عده ومؤنة إحضاره إذا كان غائبا إلى محل العقد : أي تلك المحلة على البائع ، وأجرة نحو كيال الثمن ومؤن إحضار الثمن الغائب إلى محل العقد على المشتري وأجرة النقل المحتاج إليه في تسليم المبيع المنقول عليه أيضا ، وقياسه أن يكون في الثمن على البائع ومؤن نقد الثمن على البائع ، وقياسه أن يكون في المبيع على المشتري إذ القصد منه إظهار عيب به إن كان ليرد به ، وسواء أكان الثمن معينا أم لا كما أطلقاه ، وإن قيده العمراني في كتاب الإجارة بما إذا كان الثمن معينا ، ولو أخطأ النقاد فظهر بما نقده غش وتعذر الرجوع على المشتري فلا ضمان عليه وإن كان بأجرة كما أطلقه صاحب الكافي وهو المعتمد وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، وإن قيده الزركشي بما إذا كان متبرعا لكن لا أجرة له كما لو استأجره للنسخ فغلط فإنه لا أجرة له ، أي إذا كان الغلط فاحشا خارجا عن العرف بحيث لا يفهم معه الكلام غالبا أو تعدى كما يأتي في الإجارة لا يقال : قياس غرم أرش الورق ثم ضمانه هنا لأنا نقول : فهو ثم مقصر مع إحداث فعل فيه وهنا مجتهد .

                                                                                                                            والمجتهد غير مقصر مع انتفاء الفعل هنا والقول بأنه هنا مغرر فيضمن لذلك ووفاء بما يقابل الأجرة ليس بشيء ( مثاله [ ص: 102 ] بعتكها ) أي الصبرة ( كل صاع بدرهم أو ) بعتكها بكذا ( على أنها عشرة آصع ) وما نظر به في المثال الثاني من أنه جعل الكيل فيه وصفا كالكتابة في العبد فينبغي أن لا يتوقف قبضه عليه رد بأن كونه وصفا لا ينافي اعتبار التقدير في قبضه لأنه بذلك الوصف سمي مقدرا بخلاف كتابة العبد ( ولو كان له ) أي لبكر ( طعام ) مثلا ( مقدر على زيد ) كعشرة آصع ( ولعمرو عليه مثله فليكتل ) بكر ( لنفسه ) من زيد : أي يطلب منه أن يكيل له حتى يدخل في ملكه ( ثم يكيل لعمرو ) لتعدد الإقباض هنا ، ومن شرط صحته الكيل فلزم تعدده لأن الكيلين قد يقع بينهما تفاوت ، وللنهي عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان : يعني صاع البائع وصاع المشتري ، ولو كال لنفسه وقبضه ثم كاله لغريمه فزاد أو نقص بقدر ما يقع بين الكيلين لم يؤثر فتكون الزيادة له والنقص عليه ، أو بما لا يقع بين الكيلين فالكيل الأول غلط فيرد بكر الزيادة ويرجع بالنقص .

                                                                                                                            نعم الاستدامة في نحو المكيال كالتجديد فتكفي ( فلو ) ( قال ) بكر لعمرو ( اقبض ) يا عمرو من زيد ( ما لي عليه لنفسك عني ) أو احضر معي لأقبضه أنا لك ( ففعل ) ( فالقبض فاسد ) بالنسبة لعمرو لكونه مشروطا بتقدم قبض بكر ولم يوجد ولا يمكن حصولها لما فيه من اتحاد القابض والمقبض فيضمنه عمرو لأنه قبضه لنفسه ، ولا يلزمه رده لدافعه وصحيح بالنسبة لزيد فتبرأ ذمته لإذن دائنه بكر في القبض منه له بطريق الاستلزام ، إذ قبض عمرو لنفسه متوقف على قبض بكر كما تقرر ، فإذا بطل لفقد شرطه بقي لازمه وهو القبض لبكر فحينئذ يكيله لعمرو ويصح قبضه له ، ولا يجوز توكيل من يده كيد المقبض في القبض كرقيقه ولو مأذونا له في التجارة بخلاف ابنه وأبيه ومكاتبه ، ولو قال لغريمه وكل من يقبض لي منك أو قال لغيره وكل من يشتري لي منك صح ويكون وكيلا له في التوكيل في القبض أو الشراء منه ، ولو وكل البائع رجلا في الإقباض ووكله المشتري في القبض لم يصح توكيله لهما معا لما مر ، ولو قال لغريمه : اشتر بهذه الدراهم لي مثل ما تستحقه علي واقبضه لي ثم لنفسك صح الشراء والقبض الأول دون الثاني ، وللأب وإن علا تولي طرفي القبض كما يتولى طرفي البيع كما مر في بابه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وقيس به البقية ) أي من كل ما بيع مقدرا ( قوله : وبالواو أخرى ) ليس في هذه النسخة تعبير بالواو بالنسبة لقوله اشترط مع النقل ذرعه إلخ ، فمراده بقوله وعبر بالواو إلخ قوله كثوب وأرض ذرعا وحنطة كيلا أو وزنا فعبر بالواو في قوله وحنطة كيلا وبأو في قوله أو وزنا لئلا يتوهم من التعبير فيها بالواو جواز الجمع في الحنطة بين الكيل والوزن مع أن الجمع بينهما مفسد للعقد ( قوله وإنما قدر ) أي وإنما يقدر بأحدهما فقط ( قوله : أن يكتال من الصبرة ) أي بعد عقد البيع ( قوله : يمكن تأويله ) أي كأن يقال أذن له في تعيين من يكتال للمشتري عن البائع كما يؤخذ من قوله الآتي ولو قال لغريمه وكل من يقبض لي منك إلخ ، أو يقال إن البائع أذن للمشتري في كيله ليعلما مقداره فقط ففعل ذلك ثم سلم جملته له البائع بعد علمهما بالمقدار ، فكيل المشتري ليس قبضا ولا إقباضا وإنما المقصود منه معرفة مقدار المبيع ( قوله : كان ضامنا ) ثم لو تنازعا مع البائع في مقداره فينبغي تصديق البائع لأن المشتري التزم الثمن بالعقد وهو يريد حط شيء منه والأصل عدم ما يوجب السقوط ( قوله : أخذا مما مر ) أي في مطلق الضمان فلا ينافي ما يأتي أنه ضمان عقد .

                                                                                                                            ( قوله : صحح منهما المتولي المنع ) وعليه فهو مضمون ضمان عقد ، فإذا تلف في يده لا ينفسخ العقد ويستقر عليه الثمن ( قوله : وهو المعتمد ) وعليه فلعل الفرق بين هذا وما تقدم فيما لو نقله بغير إذن من أنه مضمون ضمان يد أن حق الحبس للبائع مانع من زوال يده عن المبيع حكما ، وفي مسألتنا لما لم يكن له حق ولو كان الغرض من التقدير مجرد معرفة القدر لم يبق للبائع به تعلق ألبتة بل زالت يده عنه حسا وحكما ، فكان الحاصل من المشتري قبضا حقيقيا ، وعدم نفوذ تصرفه فيه لا ينافي ذلك لجواز أن يكون عدم النفوذ لمجرد عدم علمه بمقدار حقه ، لكن هذا الفرق قد يتخلف فيما لو أذن له البائع في مجرد النقل فنقله إلى موضع من دار البائع ، إلا أن يقال لما كان المنقول إليه حقا للبائع ولم يأذن في النقل إليه كان وضع [ ص: 101 ] المشتري له فيه لغوا فكأن يد البائع لم تزل عنه ، فأشبه ما لو أذن له في نقله فلم ينقله من موضعه ( قوله : أي تلك المحلة ) أي لا خصوص موضع العقد .

                                                                                                                            ( قوله : إلى محل العقد ) أي تلك المحلة ( قوله المنقول عليه ) أي المشترى ظاهره وإن بيع مقدرا وهو واضح ، وعبارة حج بخلاف النقل المتوقف عليه القبض فيما بيع جزافا ، ولعله إنهما قيدا بالجزاف لأنه الذي يحتاج إلى التحويل دائما ، وأما المقدر بنحو الكيل فقد لا يحتاج إلى نقله بعد التقدير لجواز أن يكيله البائع ويسلمه للمشتري فيتناوله بيده ويضعه في مكان لا يختص بالبائع ( قوله : معينا أم لا ) خلافا لحج ( قوله : العمراني ) بالكسر والسكون إلى العمرانية ناحية بالموصل ا هـ لب اللباب للسيوطي ( قوله : غش ) أي زيف ( قوله : فلا ضمان عليه ) أي النقاد .

                                                                                                                            [ فرع ] لو أخطأ القباني في الوزن ضمن كما لو غلط في النقش الذي عليه القبان ، ولو أخطأ نقاش القبان كأن قال هو مائة فبان أقل أو أكثر ضمن : أي النقاش لأنه ليس بمجتهد : أي بخلاف النقاد ا هـ عبد البر على منهج وأقول : في تضمين النقاش نظر لأن غايته أنه أحدث فيه فعلا ترتب عليه تغرير المشتري وبتقدير إخباره كاذبا فالحاصل منه مجرد تغرير أيضا وهو لا يقتضي الضمان ، وكذا لو أخطأ الكيال أو العداد لأن كلا من الثلاثة غير مجتهد فيه فينسبون في خطئهم إلى تقصير ، وينبغي أن مثل ذلك في الضمان بالأولى ، ولو أخطأ النقاد من نوع إلى نوع آخر وكان المميز بينهما علامة ظاهرة كالريال والكلب مثلا والجيد والمقصوص وما لو كان لا يعرف النقد بالمرة وأخبر بخلاف الواقع ( قوله : لا أجرة له ) أي فيما غلط فيه فقط دون البقية ( قوله : والمجتهد غير مقصر ) مفهومه أنه إن قصر في الاجتهاد أو تعمد الإخبار بخلاف الواقع ضمن ، وصرح به حج في الشق الثاني ، وعليه فانظر الفرق بينه وبين نظائره من التغرير ، ومنها ما لو أخبره بحسن سلعة ونفاستها واشتراها بثمن كثير اعتمادا على إخباره فإنه لا يضمن ، وما لو غر بحرية أمة والغار غير السيد فإنه لا ضمان عليه على ما هو مبين في محله ، ولعله أن الناقد بمنزلة الوكيل عن المشتري في بيان زيف الثمن فكانت يده على الثمن إذا أخذه كيد الوكيل ، والوكيل إذا خان فيما وكل فيه ضمنه فجعل التقصير من النقاد كالتقصير من الوكيل ، فكما أن الوكيل يضمن بذلك فالنقاد مثله .

                                                                                                                            [ تنبيه ] لو اختلفا في التقصير وعدمه صدق النقاد ( قوله : والقول بأنه هنا مغرر ) أي حامل له على الغرر .

                                                                                                                            [ ص: 102 ] قال في المختار : وغره يغره بالضم غرورا خدعه ( قوله : بتعدد الإقباض ) أي بتعدد من عليه الحق ( قوله : فتكون الزيادة له ) أي للقابض أولا ، ويتأمل وجه كون الزيادة له والنقص عليه المقتضي ذلك لصحة كل من القبضين مع الاتفاق على تقدير ما قبضه بقدر معين ، وقد يقال في توجيه أن قبضه الأول لما حكم بصحته حكم بملك المقبوض جميعه له ومنه الزائد ويملك الناقص ناقصا فله المطالبة بنقصه ، ولما أراد دفعه للثاني عمل بما يقتضيه الكيل كما لو أراد دفعه من غير ذلك المقبوض ( قوله نعم الاستدامة إلخ ) ويترتب على ذلك أنه لو اشترى ملء ذا الكيل برا بكذا وملئ واستمر جاز للمشتري بيعه ملآنا ولا يحتاج إلى كيل ثان ( قوله : لنفسك عنها ) مفهومه أنه لو لم يقل عني لم يصح القبض لواحد منهما ، ويحمل قوله مالي عليه على نحو خذ منه مثل مالي عليه لنفسك قرضا مثلا وأنا أمهلك بمالي عليك ، ولم يذكر حج قوله عني وقضيته صحة القبض لزيد مطلقا ( قوله : ولا يلزمه رده ) أي بل لا يجوز له رده إلا بإذن بكر لأن قبضه له وقع صحيحا وبرئت به ذمة عمرو فلا يتصرف فيه بغير إذن مالكه ( قوله : لما مر ) أي من اتحاد القابض والمقبض



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : في الأول ) يعني المذروع ، وقوله : في الثاني يعني المكيل ، وقوله : في الثالث يعني الموزون ، وقوله : في الرابع يعني المعدود ( قوله : لما علم من كلامه ) أي هذا ، وإيضاح ذلك حسب ما ظهر لي أنه لما كان المكيل متعذرا مع الذرع لم يضره عطفه عليه بالواو ; لعدم تأتي التوهم فيه ، بخلاف الوزن مع الكيل لو عطف فيهما بالواو لتوهم اشتراط اجتماعهما فعطف الوزن بأو لدفع هذا التوهم ، وعليه فكان الأولى حذف أو من قول الشارح أو لئلا يتوهم إلخ ليكون علة لما قبله ، وانظر ما معنى قوله وإنما قدر بأحدهما ، ولعل مراده به أنه لا يصح التقدير إلا بأحدهما ، فالتقدير بهما مفسد وإن كان هذا بعيدا من عبارته . ( قوله : كان ضامنا ) أي : ضمان عقد ليوافق ترجيحه عدم الانفساخ الآتي ، وبه صرح الشهاب سم ، وقوله : لا قابضا : أي قبضا مجوزا للتصرف كما في شرح الروض : أي لانتفاء شرطه من التقدير ( قوله : لتمام القبض ) أي : المضمن كما علم مما مر [ ص: 101 ] قوله : المحتاج إليه في تسليم المبيع ) صوابه قبض المبيع إذ الضمير في عليه للمشتري وبه عبر في التحفة [ ص: 102 ] قوله : يعني صاع البائع وصاع المشتري ) أي ويقاس بهما غيرهما مما شمله إطلاق المتن ، وانظر ما الصورة التي [ ص: 103 ] يتنزل عليها النهي المذكور




                                                                                                                            الخدمات العلمية