الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4507 باب في فضل أبي بن كعب رضي الله عنه

                                                                                                                              وقال النووي: (باب من فضائل أبي بن كعب، وجماعة من الأنصار "رضي الله عنهم").

                                                                                                                              [ ص: 581 ]

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي، ص 19، 20 ج 16، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن قتادة قال: سمعت أنسا يقول: جمع القرآن على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أربعة -كلهم من الأنصار-: معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.

                                                                                                                              قال قتادة: قلت لأنس: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي).


                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أنس؛ قال: جمع القرآن -على عهد رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم- أربعة، كلهم من الأنصار: معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو زيد).

                                                                                                                              لا يقال: قد جمع القرآن غيرهم أيضا؛ لأن مفهوم العدد لا ينفي الزائد.

                                                                                                                              قال المازري: هذا الحديث مما يتعلق به بعض الملاحدة في تواتر القرآن، وجوابه من وجهين:

                                                                                                                              أحدهما: أنه ليس فيه تصريح بأن غير الأربعة لم يجمعه. فقد يكون مراده: "الذين علمهم من الأنصار: أربعة" وأما غيرهم -من المهاجرين والأنصار الذين لا يعلمهم- فلم ينفهم.

                                                                                                                              ولو نفاهم: كان المراد نفي علمه، ومع هذا فقد روى غير مسلم: "حفظ جماعات من الصحابة في [ ص: 582 ] عهد النبي، صلى الله عليه وآله وسلم" وذكر منهم المازري: خمسة عشر صحابيا.

                                                                                                                              وثبت في الصحيح "أنه قتل -يوم اليمامة- سبعون، ممن جمع القرآن" وكانت اليمامة قريبا من وفاة النبي، صلى الله عليه وآله وسلم. فهؤلاء الذين قتلوا من جامعيه -يومئذ- فكيف الظن بمن لم يقتل ممن حضرها ومن لم يحضرها، وبقي بالمدينة أو بمكة أو غيرهما؟

                                                                                                                              ولم يذكر في هؤلاء الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ونحوهم من كبار الصحابة، الذين يبعد كل البعد أنهم لم يجمعوه -مع كثرة رغبتهم في الخير، وحرصهم على ما دون ذلك من الطاعات-.

                                                                                                                              وكيف نظن هذا بهم، ونحن نرى أهل عصرنا؛ حفظه منهم في كل بلدة: ألوف، مع بعد رغبتهم في الخير عن درجة الصحابة؟! مع أن الصحابة لم يكن لهم أحكام مقررة، يعتمدونها في سفرهم وحضرهم: إلا القرآن، وما سمعوه من النبي، صلى الله عليه وآله وسلم.

                                                                                                                              فكيف نظن بهم إهماله؟ فكل هذا وشبهه: يدل على أنه لا يصح أن يكون معنى الحديث: أنه لم يكن في نفس الأمر أحد يجمع القرآن إلا الأربعة المذكورون.

                                                                                                                              والجواب الثاني: أنه لو ثبت أنه لم يجمعه إلا الأربعة: لم يقدح في تواتره؛ فإن أجزاءه حفظ كل جزء منها خلائق لا يحصون، يحصل [ ص: 583 ] التواتر ببعضهم. وليس من شرط التواتر: أن ينقل جميعهم جميعه، بل إذا نقل كل جزء عدد التواتر: صارت الجملة متواترة بلا شك. ولم يخالف في هذا مسلم، ولا ملحد. هذا كلام النووي.

                                                                                                                              ويحتمل أن يكون المراد بجمعه: جمعه في المصحف، لا استظهاره حفظا، فلا إشكال أصلا. والله أعلم.

                                                                                                                              (قال قتادة: فقلت لأنس: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي).

                                                                                                                              "أبو زيد" هذا: هو سعد بن عبيد بن النعمان "الأوسي" من بني عمرو بن عوف -جزم به الدارقطني- بدري، يعرف: "بسعد القارئ" استشهد بالقادسية "سنة خمس عشرة" في أول خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه.

                                                                                                                              قال ابن عبد البر: هذا هو قول أهل الكوفة). وخالفهم غيرهم؛ فقالوا: هو "قيس بن السكن الخزرجي" من بني عدي بن النجار، بدري. قاله الواقدي.

                                                                                                                              قال موسى بن عقبة: استشهد يوم جيش "أبي عبيدة" بالعراق، سنة "خمس عشرة" أيضا.

                                                                                                                              وقيل: اسمه "أوس". قاله علي بن المدائني. أو ثابت بن زيد. قاله ابن معين. والله أعلم.

                                                                                                                              [ ص: 584 ]

                                                                                                                              وفي حديث أنس عند البخاري: (قال النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، لأبي: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك: لم يكن الذين كفروا قال: وسماني؟ قال: "نعم". فبكى) أي: فرحا وسرورا، أو خوفا أن لا يقوم بشكر تلك النعمة.

                                                                                                                              وإنما استفسره بقوله: "وسماني؟" لأنه جوز: أن يكون أمره أن يقرأ على رجل من أمته، غير معين، فاخترتني أنت.

                                                                                                                              وقال القرطبي: خص هذه السورة بالذكر؛ لما احتوت عليه: من التوحيد، والرسالة، والإخلاص، والصحف والكتب المنزلة على الأنبياء، وذكر الصلاة، والزكاة، والمعاد، وبيان أهل الجنة والنار، مع وجازتها.

                                                                                                                              وفي هذه التسمية: اختصاص غريب "لأبي بن كعب" وفضيلة ظاهرة له، واعتناء باهر به "رضي الله عنه".




                                                                                                                              الخدمات العلمية