الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4554 باب في فضل أبي موسى، وأبي عامر الأشعري، رضي الله عنهما

                                                                                                                              وهو في النووي، (في الباب الغابر).

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 59، 60 ج16، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (حدثنا عبد الله بن براد "أبو عامر": الأشعري، وأبو كريب: "محمد بن العلاء" -واللفظ لأبي عامر- قالا: حدثنا أبو أسامة، عن بريدة، عن أبي بردة، عن أبيه، قال: لما فرغ النبي، صلى الله عليه وسلم من حنين: بعث أبا عامر على جيش، إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريد، وهزم الله أصحابه. فقال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر. قال: فرمي أبو عامر في ركبته؛ رماه رجل من بني جشم: بسهم، فأثبته في ركبته. فانتهيت إليه، فقلت: يا عم! من رماك؟ فأشار أبو عامر إلى أبي موسى، فقال: إن ذاك قاتلي، تراه ذلك الذي رماني. قال أبو موسى: فقصدت له، فاعتمدته، فلحقته. فلما رآني، ولى عني ذاهبا. فاتبعته، وجعلت أقول له: ألا تستحيي؟ ألست عربيا؟ ألا تثبت؟ فكف. فالتقيت أنا وهو، فاختلفنا أنا وهو: ضربتين، فضربته بالسيف، فقتلته. ثم رجعت إلى أبي عامر، فقلت: إن الله قد قتل صاحبك. قال: [ ص: 607 ] فانزع هذا السهم، فنزعته، فنزا منه الماء. فقال: يا ابن أخي! انطلق إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك أبو عامر: استغفر لي. قال: واستعملني أبو عامر على الناس. ومكث يسيرا، ثم إنه مات. فلما رجعت إلى النبي، صلى الله عليه وسلم دخلت عليه، وهو في بيت، على سرير مرمل، وعليه فراش، وقد أثر رمال السرير بظهر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وجنبه. فأخبرته بخبرنا، وخبر أبي عامر. وقلت له: قال: قل له: يستغفر لي. فدعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم بماء، فتوضأ منه، ثم رفع يديه، ثم قال: "اللهم! اغفر لعبيد أبي عامر" حتى رأيت بياض إبطيه. ثم قال: "اللهم! اجعله -يوم القيامة- فوق كثير من خلقك -أو من الناس-" فقلت: ولي يا رسول الله! فاستغفر. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "اللهم! اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله -يوم القيامة- مدخلا كريما".

                                                                                                                              قال أبو بردة: إحداهما لأبي عامر، والأخرى لأبي موسى)


                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي بردة عن أبيه؛ قال: لما فرغ النبي، صلى الله عليه) وآله (وسلم، من حنين بعث أبا عامر على جيش، إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصمة؛ فقتل دريد بن الصمة، وهزم الله أصحابه. فقال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر. قال: فرمي أبو عامر في ركبته؛ رماه رجل من بني [ ص: 608 ] جشم بسهم، فأثبته في ركبته، فانتهيت إليه، فقلت: يا عم! من رماك؟ فأشار أبو عامر إلى أبي موسى؛ فقال: إن ذاك قاتلي، تراه ذاك الذي رماني. قال أبو موسى: فقصدت له، فاعتمدته، فلحقته. فلما رآني: ولى عني ذاهبا. فاتبعته، وجعلت أقول له: ألا تستحيي؟ ألست عربيا؟ ألا تثبت؟ فكف. فالتقيت أنا وهو، فاختلفنا أنا وهو ضربتين، فضربته بالسيف فقتلته، ثم رجعت إلى أبي عامر، فقلت: إن الله قد قتل صاحبك. قال: فانزع هذا السهم، فنزعته، فنزا منه الماء) بالنون والزاي: أي: ظهر وارتفع وجرى، ولم ينقطع. (فقال: يا ابن أخي! انطلق إلى رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم ، فأقرئه مني السلام وقل له، يقول لك أبو عامر: استغفر لي. قال: واستعملني أبو عامر على الناس. ومكث يسيرا. ثم إنه مات. فلما رجعت إلى النبي، صلى عليه) وآله (وسلم، دخلت عليه، وهو في بيت، على سرير مرمل) بإسكان الراء وفتح الميم.

                                                                                                                              (وعليه فراش) هكذا وقع في صحيح البخاري، ومسلم. قال القابسي: وأظن لفظة "ما": سقطت لبعض الرواة. يعني: الصواب "وما عليه فراش" وتابعه عياض وغيره على أن لفظة "ما": ساقطة. وأن الصواب: إثباتها.

                                                                                                                              (وقد أثر رمال السرير) : بكسر الراء وضمها. وهو الذي ينسج في [ ص: 609 ] وجهه بالسعف ونحوه، ويشد بشريط ونحوه. يقال منه: "أرملته، فهو مرمل" وحكي: "رملته فهو مرمول" وقد جاء في حديث عمر، في تخيير النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: أزواجه: "على رمال سرير، ليس بينه وبينه فراش، قد أثر الرمال بجنبيه".

                                                                                                                              (بظهر رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم، وجنبيه. فأخبرته بخبرنا، وخبر أبي عامر. وقلت له: قال: قل له: يستغفر لي. فدعا رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم، بماء، فتوضأ منه، ثم رفع يديه، ثم قال: "اللهم! اغفر لعبيد أبي عامر" حتى رأيت بياض إبطيه. ثم قال: "اللهم! اجعله -يوم القيامة- فوق كثير من خلقك -أو من الناس-) فقلت: ولي، يا رسول الله! فاستغفر. فقال: النبي، صلى الله عليه) وآله (وسلم: "اللهم! اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما" قال أبو بردة: إحداهما لأبي عامر، والأخرى لأبي موسى).

                                                                                                                              فيه: استحباب الدعاء، واستحباب رفع اليدين فيه. وأن الحديث الذي رواه أنس "أنه لم يرفع يديه إلا في ثلاثة مواطن": محمول على أنه لم يره. وإلا فقد ثبت الرفع في مواطن كثيرة، فوق ثلاثين موطنا. قاله النووي.

                                                                                                                              والحديث: دليل على فضيلة هذين الصاحبين، رضي الله عنهما.

                                                                                                                              [ ص: 610 ]

                                                                                                                              وفيه: بيان تواضع النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وعدم تكلفه لفراش، وتأثير رمال السرير في جسده الشريف. وهذا غاية الزهد ونهايته.




                                                                                                                              الخدمات العلمية