الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وكذلك لو كفل بنفسه وضمن ما ذاب عليه أو جعله كفيلا بنفسه وكيلا في خصومته وهذا بخلاف كفالة المولى عن المكاتب ; لأن دين المولى على مكاتبه لا يقوى حتى يملك المكاتب إسقاطه بالتعجيز فأما دين المكاتب على مولاه فقوي فإن المولى لا يملك إسقاطه إلا بالأداء فلهذا صحت الكفالة به ، وكذلك لو كفل عن المولى بدين لابن المكاتب أو أبعد من ذلك . وابن المكاتب بمنزلة المكاتب ; لأن من دخل في كتابته فهو مكاتب للمولى والمستسعى في بعض قيمته بعد ما عتق بعضه بمنزلة المكاتب . وفي قول أبي حنيفة - رحمه الله - لا يجوز كفالة أحد عنه بالسعاية لمولاه ولا بنفسه . فإن قيل : المعنى الذي لأجله لا تجوز الكفالة ببدل الكتابة عن المكاتب للمولى ; لأنه ضعيف يملك المكاتب إسقاطه بالتعجيز وهذا لا يوجد في السعاية فإنه لا يملك إسقاطه بالتعجيز إذ ليس له أن يعجز نفسه فينبغي أن تصح الكفالة .

قلنا بل المعنى أن المكاتب عبد ولا يقوى دين المولى في ذمته ; لأنه ليس للعبد ذمة قوية في حق مولاه وهذا موجود هنا فالمستسعى عنده بمنزلة المكاتب ; لأن الرق يتجزأ عند أبي حنيفة - رحمه الله - فلا يعتق نصيبه ما لم يؤد حق السعاية وكذلك العتق عند الموت إذا لم يخرج من الثلث فلزمته السعاية فهذه السعاية بمنزلة بدل الكتابة على معنى أنه لا يعتق إلا بأدائها فلا تصح الكفالة بها عند المولى وهذا بخلاف ما إذا أعتق عبده على مال فكفل كفيل للمولى بذلك المال صحت الكفالة ; لأنه عتق هناك بنفس القبول فكان المال دينا قويا في ذمته كسائر الديون والمستسعى لا يعتق إلا بالأداء فلا يكون [ ص: 23 ] المال لازما في ذمته بصفة القوة وهذا ; لأن العتق في الأصل صلة . وكل مال يحصل بأدائه العتق أو يتم بأدائه العتق : يكون في معنى الصلة فلا تصح الكفالة به فأما الواجب بعد تمام العتق فليس فيه معنى الصلة فتصح الكفالة به .

التالي السابق


الخدمات العلمية