الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا مات الرجل وعليه دين ولم يترك شيئا فكفل ابنه أجنبي للغريم بما له على الميت ; لم تجز الكفالة في قول أبي حنيفة - رحمه الله - وهي جائزة في قول أبي يوسف ومحمد والشافعي - رحمهم الله - وإذا كان الميت ترك وفاء ; جازت الكفالة عندهم جميعا ، وإن ترك شيئا ليس فيه وفاء فإنه يلزم الكفيل بقدر ما ترك الميت في قوله وفي قولهما يلزمه جميع ما كفل به وحجتهم في ذلك ما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة رجل من الأنصار ليصلي عليه فقال صلى الله عليه وسلم : هل على صاحبكم دين فقالوا : نعم ، درهمان أو ديناران فقال صلوات الله عليه وسلامه : صلوا على صاحبكم . فقال أبو قتادة : هما علي يا رسول الله وفي رواية : قال ذلك علي كرم الله وجهه فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم } فلو لم تصح الكفالة عن الميت المفلس ; لما صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الكفالة .

وعن عبد الحميد بن أبي أمية { عن رجل من الأنصار أنه قال لأصحابه : من استطاع منكم أن يموت وليس عليه دين ; فليفعل فإني شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أتي بجنازة رجل من الأنصار فقال صلى الله عليه وسلم : هل على صاحبكم دين فقالوا نعم فقال صلوات الله وسلامه : وما ينفعكم صلاتي عليه وهو في قبره مرتهن بدينه ثم قال صلى الله عليه وسلم [ ص: 109 ] فمن ضمنه قمت فصليت عليه } فهذا تنصيص على تصحيح الضمان عن الميت المفلس والمعنى فيه أنه كفل بدين واجب فيصح كما في حال حياة المديون وهذا لأن الدين كان واجبا عليه في حال حياته فلا يسقط إلا بإيفاء أو إبراء أو انفساخ سبب الوجوب . وبالموت لا يتحقق شيء من ذلك . ( ألا ترى ) أنه مؤاخذ به في الآخرة مطلوب به ولو تبرع إنسان بقضائه جاز التبرع إلا أنه تعذرت مطالبته به في الدنيا بموته وبهذا لا يخرج الحق من أن يكون مطلوبا في نفسه كما لو أفلس في حال الحياة ، وكالعبد إذا أقر على نفسه بدين ثم كفل عنه كفيل به صح ، وإن كان هو لا يطالبه في حال رقه ; لأن الحق مطلوب في نفسه وهذا لأن ذمته باقية بعد الموت حكما ; لأنها كرامة اختص بها الآدمي وبموته لا يخرج من أن يكون محترما مستحقا لكرامات بني آدم .

( ألا ترى ) أنه لو مات مليا بقي الدين ببقاء ذمته حكما لا للانتقال إلى المال وليس بمحل لوجوب الدين فيه وإنما هو محل القضاء الواجب منه . ولو كان بالدين رهن بقي الرهن على حاله ، وإن كان مات عن إفلاس بأن كان الرهن مستعارا من إنسان ، وبقاء الرهن لا يكون إلا باعتبار بقاء الدين .

التالي السابق


الخدمات العلمية