الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا كان لرجل على ثلاثة رهط ألف درهم وبعضهم كفلاء عن بعض بها فأدى أحدهم مائة درهم لم يرجع على صاحبه بشيء ; لأنه في قدر ثلث المال أصيل ، فما يؤديه يكون أصيلا فيه فلا يرجع على أحد بشيء إذا كان المؤدى بقدر الثلث أو دونه ، وإن قال : إنما أديت هذا عن صاحبي أو عن أحدهما ; لم يكن له ذلك على وجهين : أحدهما أن فيما هو أصيل المال ثابت في ذمته ، وفيما هو كفيل هو مطالب بما في ذمة غيره من المال ، والمؤدى ماله ، فيكون إيقاعه من المال الذي عليه ليسقط عنه به أصل المال أولى ; لأن هذا الطريق أقصر فإنه إذا جعل المؤدي من غيره ; احتاج إلى الرجوع وإذا جعل مؤديا عن نفسه ; لا يحتاج إلى الرجوع على أحد ولأنه إن جعل المؤدي عن صاحبيه كان لهما أن يقولا : أداؤه بالكفالة بأمرنا بمنزلة أدائنا . ولو أدينا ; كان لنا أن نجعل المؤدي عنك ، فلا يزال يدور هكذا فلهذا جعلناه إلى تمام الثلث مؤديا عن نفسه .

وهذا بخلاف ما إذا كاتب عبيدا له على ألف درهم على أن كل واحد منهم كفيل ضامن عن الآخرين ثم أدى أحدهم شيئا لا يكون المؤدي عن نفسه خاصة ، بل يكون عنهم جميعا ; لأن هناك لو جعلنا المؤدى عن المؤدي خاصة ; لكان يعتق إذا أدى مقدار نصيبه ببراءة ذمته عما عليه من البدل والمولى ما رضي بعتق واحد منهم إلا بعد وصول جميع المال إليه ففي جعله عن نفسه يعتبر شرطا مذكورا في العقد نصا وذلك لا يجوز فلهذا جعلنا [ ص: 40 ] المؤدى من نصيبهم . ولا يوجد مثل ذلك هنا وهذا أيضا بخلاف ما إذا كان المال على واحد فكفل به ثلاثة على أن بعضهم كفلاء عن بعض ثم أدى أحدهم شيئا كان له أن يرجع على صاحبيه بثلثي ما أدى ، وإن شاء رجع على أحدهما بنصف ما أدى ; لأن هناك أصل المال على غيرهم وهم يلتزمون له بالكفالة فكان حالهم في ذلك على السواء ولو رجع على شريكيه بثلثي ما أدى لم يؤد ذلك إلى الدور ; لأنهما لا يرجعان في ذلك عليه بشيء من ذلك بخلاف ما نحن فيه على ما قدرنا فإن أدى زيادة على الثلث ; كانت الزيادة على صاحبيه نصفين ; لأنه في الزيادة على الثلث مؤد بحكم الكفالة وهو كفيل عنهما ولو رجع بذلك عليهما لم يكن لهما أن يرجعا عليه بشيء لفراغ ذمته عما عليه بأدائه ، وإن أراد أن يجعل الزيادة عن أحدهما دون صاحبه لم يكن له ذلك ; لأن المال واحد وهو دين في الذمة لا يتحقق فيه التمييز فتلغو نيته عن أحدهما .

فإن لقي أحدهما أخذه بنصيبه من الزيادة وهو النصف ; لأنه أدى عنه ذلك وبنصف ما أدى عن الآخر أيضا ; لأنه مع هذا الذي لقيه كفيل عن الآخر بما عليه فينبغي أن يستويا في غرم الكفالة وذلك في أن يرجع عليه بنصف ما أدى عن الآخر

التالي السابق


الخدمات العلمية