الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
7058 - أخبرنا أبو زكريا، وأبو بكر، وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثنا أبو سهل بن نافع، عن أبي قلابة، عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، يعني مثل حديث عروة، وعمرة عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أن الشمس كسفت، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوصفت صلاته: ركعتين في كل ركعة ركعتين ".

7059 - قال الشافعي في القديم: وأخبرنا يحيى بن سليم، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن الشمس: "خسفت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين بالناس في كل ركعة ركعتين".

7060 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا علي بن المؤمل بن الحسن بن عيسى قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الزعفراني قال: حدثنا محمد بن إدريس الشافعي قال: حدثنا يحيى بن سليم، فذكره بنحوه .

[ ص: 136 ] 7061 - قال أبو عبد الله: ورواه يحيى بن محمد بن صاعد، عن إسماعيل بن أبي كثير، عن إبراهيم بن محمد بن العباس الشافعي، عن يحيى بن سليم.

7062 - كما رواه الشافعي عنه فهو مما تفرد به يحيى بن سليم.

7063 - قال أحمد: "ورواه أيضا يعقوب بن حميد، عن يحيى بن سليم".

7064 - قال أحمد: وقد ثبت عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنه آية من آيات الله فإذا رأيتموها فصلوا".

7065 - وفي ذلك دلالة على أن لحديث ابن عمر أصلا في هذا الباب.

7066 - قال الشافعي في القديم: وذكر هشام الدستوائي، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

[ ص: 137 ] 7067 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو عمرو بن أبي جعفر قال: أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا زهير بن حرب قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن هشام الدستوائي، عن أبي الزبير، عن جابر قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فأطال القيام حتى جعلوا يخرون، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم سجد سجدتين، ثم قام فصنع مثل ذلك فكانت أربع ركعات وأربع سجدات قال: "ثم إنه" عرض علي كل شيء، فعرض علي الجنة حتى لو تناولت منها قطفا أخذته " أو قال: " تناولت منها قطفا فقصرت يدي عنه، وعرض علي النار فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، ورأيت أبا ثمامة عمرو بن مالك يجر قصبه في النار، وأنهم كانوا يقولون: إن الشمس والقمر لا يخسفان إلا لموت عظيم، وإنهما آيتان من آيات الله يريكموها، فإذا خسفا فصلوا حتى تنجلي " رواه مسلم في الصحيح، عن يعقوب الدورقي، عن إسماعيل ابن علية.

7068 - وقد أخرجناه في كتاب السنن عاليا من حديث أبي داود الطيالسي عن هشام .

[ ص: 138 ] 7069 - وقد روينا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الخسوف ركعتين في كل ركعة ركوعين وسجودين، عن ابن عباس، وعائشة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وجابر بن عبد الله الأنصاري.

7070 - ورويناه عن ابن عمر، من جهة يحيى بن سليم، وعن أبي موسى، من جهة إبراهيم بن محمد.

7071 - وروينا عن الحسن العرني، أن حذيفة صلى بالمدائن مثل صلاة ابن عباس في الكسوف.

7072 - وأخبرنا أبو بكر، وأبو زكريا، وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن عمرو، أو صفوان بن عبد الله بن صفوان قال: رأيت ابن عباس "صلى على ظهر زمزم لخسوف الشمس ركعتين في كل ركعة ركعتين".

7073 - وأخبرنا أبو إسحاق قال: أخبرنا أبو النضر قال: أخبرنا أبو جعفر قال: حدثنا المزني قال: حدثنا الشافعي، فذكره بإسناده، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان، من غير شك.

7074 - قال الشافعي في رواية أبي عبد الله: وبلغنا أن عثمان بن عفان "صلى في كسوف الشمس ركعتين في كل ركعة ركعتين".

7075 - وقد رويناه في كتاب السنن عن أبي شريح الخزاعي، عن عثمان، أنه صلاها بالمدينة وبها عبد الله بن مسعود.

7076 - وأما ما أخبرنا أبو إسحاق قال: أخبرنا أبو النضر قال: أخبرنا أبو جعفر قال: حدثنا المزني قال: حدثنا الشافعي قال: حدثنا عبد الوهاب، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة ، [ ص: 139 ] عن النعمان بن بشير قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج فزعا يجر ثوبه، فلم يزل يصلي حتى انجلت، فلما انجلت قال: "إن ناسا يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء، وليس كذلك إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلوا".

7077 - فهذا حديث لم يسمعه أبو قلابة من النعمان، إنما رواه في رواية أيوب السختياني عنه، عن رجل، عن النعمان وقال فيه: فجعل يصلي ركعتين ويسلم، ويصلي ركعتين ويسلم، حتى انجلت الشمس .

[ ص: 140 ] 7078 - وقيل عن أيوب، عن أبي قلابة، عن قبيصة الهلالي، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

7079 - وقيل عنه، عن أبي قلابة، عن هلال بن عامر، عن قبيصة، وفي رواية قبيصة من الزيادة "فإذا رأيتم ذلك فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة".

7080 - وروى الحسن، عن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم " قال فصلى بنا ركعتين، ثم في رواية: كما تصلون، وفي أخرى: مثل صلاتكم هذه في خسوف الشمس والقمر.

7081 - أخبرناه أبو الحسن المقرئ قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق قال: حدثنا يوسف بن يعقوب قال: حدثنا ابن أبي بكر قال: حدثنا خالد بن الحارث، عن أشعث، عن الحسن، عن أبي بكرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم "صلى ركعتين مثل صلاتكم هذه في كسوف الشمس والقمر".

[ ص: 141 ] 7082 - وفي حديث حسان بن عمير، عن عبد الرحمن بن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف قال: فانتهيت إليه وهو "رافع يديه، يسبح ويحمد ويهلل ويكبر ويدعو حتى حسر عن الشمس، فقرأ سورتين وركع ركعتين".

7083 - وهذا يحتمل أن يكون أراد: قرأ سورتين وركع ركعتين في كل ركعة.

7084 - وليس في الحديث ما يرده، وحمله على ذلك أولى، ليكون موافقا لما مضى من الأحاديث الثابتة.

7085 - وأخبرنا أبو إسحاق قال: حدثنا أبو النضر قال: حدثنا أبو جعفر قال: حدثنا المزني قال: حدثنا الشافعي قال: أخبرنا عبد الكريم بن محمد الجرجاني، عن زهير بن معاوية، عن الأسود بن قيس، عن ثعلبة بن عباد العبدي قال: خطبنا سمرة بن جندب فحدثنا في خطبته حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بينا أنا وشاب من الأنصار نتنصل بين غرضين لنا ارتفعت الشمس، ثم اسودت حتى آضت كأنها تنومة، فقال أحدنا لصاحبه: انطلق بنا فوالله لتحدثن هذه الشمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا في أصحابه، فانطلقنا، فدفعنا إلى المسجد وهو يأذن بجمع كثير فوافقنا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا ، [ ص: 142 ] فقام كأطول ما قام في صلاة قط، لا يسمع له حسا، ثم ركع كأطول ما ركع في صلاة قط، لا يسمع له حسا، ثم رفع فسجد، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ذلك، فوافق فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة تجلي الشمس، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا - أو قال على المنبر - فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد فإن رجالا يزعمون أن كسوف هذه الشمس، وكسوف هذا القمر، وزوال هذه النجوم عن مطالعها لموت عظماء من أهل الأرض، وقد كذبوا، وليس ذلك كذلك ولكنها آيات من آيات الله، لينظر من يحدث له منهم توبة، ألا وإني قد رأيت في مقامي هذا ما أنتم لاقون إلى يوم القيامة، ولن تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالا كذابا كلهم يكذب على الله ورسوله، آخرهم الأعور الدجال ممسوح العين اليمنى كأنها عين أبي تحيى لرجل بينه وبين حجرة عائشة - فمن صدقه وآمن به، لم ينفعه صالح من عمله سلف، ومن كذبه لم يضره شيء من عمله سلف".

7086 - قال أحمد: " هذه الأحاديث كلها ترجع إلى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في خسوف الشمس يوم مات ابنه إبراهيم عليه السلام.

7087 - فقد روي في حديث كل واحد منهم ما يدل على ذلك، وقد أثبت من سميناهم ركوعه في كل ركعة ركعتين، والمثبت شاهد، فالرجوع إلى روايتهم أولى .

[ ص: 143 ] 7088 - وقد أجاب الشافعي عن هذه الأخبار، بما فيه كفاية.

7089 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي: فخالفنا بعض الناس في صلاة الكسوف فقال: "يصلي في كسوف الشمس والقمر ركعتين كما يصلي الناس كل يوم، ليس في كل ركعة ركعتين".

7090 - فذكرت له بعض حديثنا فقال: هذا ثابت، وإنما أخذنا بحديث لنا غيره.

7091 - فذكر حديثا عن أبي بكرة، أن النبي "صلى الله عليه وسلم صلى في الكسوف ركعتين نحوا من صلاتكم هذه".

7092 - وذكر حديثا عن سمرة بن جندب في معناه.

7093 - فقلت له: ألست تزعم أن الحديث إذا جاء من وجهين فاختلفا فكان في الحديث زيادة، كان الجائي بالزيادة أولى بأن يقبل قوله لأنه أثبت ما لم يثبت الذي نقص الحديث؟ قال: بلى، فقلت: ففي حديثنا الزيادة التي تسمع فقال أصحابه: عليك أن ترجع إليه قال: فالنعمان بن بشير يقول: صلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يذكر في كل ركعة ركعتين قلت: فالنعمان يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين ثم نظر فلم يتجل الشمس، فقام فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، أفنأخذ به؟ قال: لا، قلت: فأنت إذا تخالف حديث النعمان بن بشير وحديثنا، وليس لك في حديث النعمان حجة إلا مالك في حديث أبي بكرة، وسمرة، وأنت تعلم أن إسنادنا في حديثنا من أثبت إسناد الناس هذا جوابه في الجديد .

[ ص: 144 ] 7094 - وأجاب في القديم عن حديث أبي بكرة، وغيره، بأنه قال: صلى ركعتين ولم يكن عليه أن يصف الصلاة كلها.

7095 - وقد يريد عدد الصلاة، ولا يذكر عدد الركوع فيها ولو قال: لم يزد على ركعتين كسائر الصلوات لم يكن في هذا حجة؛ لأن الذي حفظ الزيادة عن النبي صلى الله عليه وسلم شاهد، وهذا غير شاهد.

7096 - قال: فلعل النبي صلى الله عليه وسلم لما أطال الركوع جعل القوم يرفعون رؤوسهم ثم يعيدونها، فظن من حدث هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم ركع ركعتين.

7097 - قال الشافعي: وابن عباس يقول: وقفت يومئذ إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدد قيامه فيقول: "قدر سورة البقرة" ويحدد ركوعه، ثم يحدد قيامه بعد ركوعه دون القيام الأول، ثم ركوعه بعد قيامه دون الركوع الأول، ثم ركوعه بعد قيامه دون الركوع الأول، وتحدده عائشة أفترى التحديد يكون على التوهم.

7098 - قال أحمد: وفي حديث عائشة زيادة حكاية ذكر الرفع من الركوع.

7099 - قال الشافعي: وما ينبغي أن يظن بمسلم هذا وما رواه إلا بعد الإحاطة، ولو شكوا فيه لكانوا إلى أن يسكتوا عما شكوا فيه أقرب منهم إلى أن يقولوا به وكيف يجوز أن يتوهم هذا على سنة مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يعمل به عندنا إلى اليوم.

7100 - وإن جاز أن يكون من خلف النبي صلى الله عليه وسلم رفعوا رؤوسهم قبله، فكيف يجوز أن يكونوا رفعوا مرة، ولا يجوز أن يكونوا رفعوا ثلاثين مرة.

[ ص: 145 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية