الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
32 - باب البكاء على الميت

7767 - أخبرنا أبو سعيد قال: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي رحمه الله: "وأكره النياحة على الميت بعد موته وأن تندبه النائحة على الانفراد، ولكن ويعزى بما أمر الله به من الصبر والاسترجاع".

7768 - وأكره المأتم، وهي الجماعة، وإن لم يكن لهن بكاء، فإن ذلك يجدد الحزن، ويكلف المؤنة مع ما مضى فيه من الأثر.

7769 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني قال: حدثنا يحيى بن معين قال: حدثنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، عن عبيد بن عمير قال: قالت أم سلمة: لما مات أبو سلمة قلت: غريب وفي أرض غربة لأبكينه بكاء يتحدث عنه، فبينا أنا كذلك قد تهيأت للبكاء عليه إذ أتت امرأة تريد أن تسعدني من الصعيد، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : [ ص: 341 ] "أتريدين أن تدخلي الشيطان بيتا قد أخرجه الله منه؟" قالت: فكففت عن البكاء فلم أبكه " رواه مسلم في الصحيح، عن إسحاق بن إبراهيم عن ابن عيينة.

7770 - وأخبرنا أبو عبد الله قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار قال: حدثنا أحمد بن محمد البرتي قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان، عن زبيد، عن إبراهيم، عن مسروق، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية" رواه البخاري في الصحيح، عن أبي نعيم. وأخرجاه من حديث عبد الله بن مرة، عن مسروق.

[ ص: 342 ] 7771 - وأخرجا حديث أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أني برئ من كل حالقة، أو سالقة، أو خارقة".

7772 - وروينا في حديث عطية عن أبي سعيد قال: "لعن رسول الله النائحة والمستمعة" [ ص: 343 ] قال الشافعي: "وأرخص في البكاء بلا أن تندبن، ولا أن يقلن إلا خيرا، ولا يدعون بحرب قبل الموت، فإذا مات أمسكن".

7773 - أخبرنا أبو بكر، وأبو زكريا، وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك، عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك، عن عتيك بن الحارث، وهو جد عبد الله بن عبد الله بن جابر أبو أمه أنه أخبره أن جابر بن عتيك أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب عليه فصاح به فلم يجبه، فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "غلبنا عليك يا أبا الربيع" فصاح النسوة، وبكين، فجعل جابر يسكتهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعهن فإذا وجب، فلا تبكين باكية" قالوا: يا رسول الله وما الوجوب؟ قال: "إذا مات".

7774 - كان قد وقع في الكتاب، عن عبد الله بن عتيك، وإنما، هو جابر بن عتيك.

7775 - وروينا في الحديث الثابت، عن عبد الله بن عمر في شكوى سعد بن عبادة وبكاء النبي صلى الله عليه وسلم لما وجده في غشية وبكائهم ببكائه قال: فقال: "ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم".

[ ص: 344 ] 7776 - وهو نظير ما روينا في الحديث الثابت، عن أنس بن مالك في قصة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم. قال أنس: فلقد رأيته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكيد بنفسه، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون".

7777 - وروينا في الحديث الثابت، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم "نعى جعفرا، وزيدا، وابن رواحة، نعاهم قبل أن يجيء خبرهم وعيناه تذرفان".

7778 - وفي الحديث الثابت عن أبي هريرة قال: "زار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله".

[ ص: 345 ] 7779 - وفي كتاب حرملة، عن الشافعي قال: أخبرنا سفيان، عن محمد بن عجلان، عن وهب بن كيسان، عن أبي هريرة، سمع عمر بن الخطاب، باكية فنهاها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعها يا أبا حفص فإن العهد قريب، والعين باكية، والنفس مصابة".

7780 - قال أحمد: هذا الحديث من هذا الوجه منقطع، وقد رواه هشام بن عروة، عن وهب بن كيسان أن محمد بن عمرو أخبره أن سلمة بن الأزرق قال: أشهد على أبي هريرة أني سمعته يقول: مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة، ونساء يبكين عليها فزجرهن عمر وانتهرهن، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "دعهن يا عمر، فإن العين دامعة، والنفس مصابة، والعهد حديث".

7781 - أخبرناه أبو محمد السكري قال: أخبرنا إسماعيل الصفار قال: حدثنا أحمد بن منصور قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن هشام بن عروة، فذكره.

7782 - وفي كل ذلك مع غيره دلالة على جواز البكاء قبل الموت وبعده بلا ندب، ولا نياحة ولا مأتم.

7783 - وحديث ابن عتيك محمول على كراهية اجتماعهن بعد الموت للبكاء، والله أعلم.

[ ص: 346 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية