الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
13 - باب الشهيد ومن يصلى عليه ويغسل

[ ص: 251 ] 7415 - أخبرنا أبو سعيد قال: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي: "وإذا قتل المشركون المسلمين في المعترك لم تغسل القتلى، ولم يصل عليهم، ودفنوا بكلومهم ودمائهم، وكفنهم أهلوهم إن شاؤوا".

7416 - ثم ساق الكلام إلى أن قال: ألا ترى أن بعض شهداء أحد كفن في نمرة.

7417 - أخبرنا أبو بكر، وأبو زكريا، وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا بعض، أصحابنا عن الليث بن سعد، ح.

7418 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الصغاني قال: حدثنا هاشم بن القاسم أبو النضر قال: حدثنا ليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، [ ص: 252 ] أن جابرا، أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في الثوب الواحد ويسأل: أيهما كان أكثر أخذا للقرآن؟ فيقدمه في اللحد وقال: "أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة" وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصل عليهم ولم يغسلوا ".

7419 - هذا لفظ حديث أبي النضر، وحديث الشافعي مختصر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد، ولم يغسلهم" وقد أخرجه البخاري في الصحيح، عن عبد الله بن يوسف، وغيره، عن الليث بن سعد بطوله.

7420 - وأخبرنا أبو بكر، وأبو زكريا، وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا بعض، أصحابنا عن أسامة بن زيد، عن الزهري، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "لم يصل على قتلى أحد، ولم يغسلها".

[ ص: 253 ] 7421 - قال أحمد: ورواه عبد الله بن وهب، عن أسامة بن زيد، بإسناده هذا: "أن شهداء، أحد لم يغسلوا، ودفنوا بدمائهم، ولم يصل عليهم".

7422 - ورواه عثمان بن عمر، وروح بن عبادة، عن أسامة، إلا أنه استثنى فيه حمزة فقال: ولم يصل على أحد من الشهداء غيره.

7423 - قال أبو الحسن الدارقطني فيما أخبرنا أبو بكر بن الحارث، عنه هذه اللفظة: "ولم يصل على أحد من الشهداء غيره" غير محفوظة.

7424 - قال أحمد: وقال أبو عيسى الترمذي: سألت عنه البخاري فقال: حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر بن عبد الله هو حديث حسن، وحديث أسامة بن زيد هو غير محفوظ، غلط فيه أسامة.

7425 - أخبرنا أبو بكر، وأبو زكريا، وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان، عن الزهري [ ص: 254 ] 7429 - أخبرنا أبو سعيد قال: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي: ولعل ترك الغسل والصلاة على من قتله جماعة المشركين إرادة أن يلقوا الله بكلومهم لما جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم "أن ريح الكلم ريح المسك، واللون لون الدم، واستغنوا بكرامة الله لهم عن الصلاة، لهم مع التخفيف، عن من بقي من المسلمين"، وبسط الكلام في هذا.

7430 - والحديث الذي أشار إليه فيما: أخبرنا أبو محمد بن يوسف قال: أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي قال: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دما، اللون لون الدم، والريح ريح المسك" رواه مسلم في الصحيح من حديث سفيان، وأخرجه البخاري من حديث مالك، عن أبي الزناد.

7431 - أخبرنا أبو سعيد قال: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي: وقال بعض الناس يصلى عليهم ولا يغسلون واحتج بأن الشعبي روى أن حمزة صلي عليه سبعون صلاة فكان يؤتى بتسعة من القتلى حمزة عاشرهم، فيصلي عليهم ثم يرفعون وحمزة مكانه، ثم يؤتى بآخرين فيصلي عليهم وحمزة مكانه حتى صلى عليه سبعين صلاة .

[ ص: 255 ] عن عبد الله بن ثعلبة بن الصعير أن النبي صلى الله عليه وسلم أشرف على قتلى أحد فقال: "شهدت على هؤلاء فزملوهم بكلومهم وبدمائهم".

7426 - قال أحمد: ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن ابن أبي صعير، عن جابر بن عبد الله، أتم من ذلك.

7427 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه قال: أخبرنا أبو حامد بن بلال قال: حدثنا يحيى بن الربيع المكي قال: حدثنا سفيان، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أمر بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم".

7428 - رواه الشافعي في سنن حرملة، عن سفيان بن عيينة، إلا أنه قال: إلى مضاجعهم.

[ ص: 256 ] 7432 - وإن كان عنى: كبر سبعين تكبيرة فنحن وهم نزعم أن التكبير على الجنائز أربع، فهي إذا كانت تسع صلوات: ست وثلاثون تكبيرة فمن أين جاءت أربع وثلاثون تكبيرة؟.

7433 - قد كان ينبغي لمن روى هذا الحديث، أن يستحي، على نفسه، وقد كان ينبغي له أن يعارض به الأحاديث كأنها عيان فقد جاءت من وجوه متواترة بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليهم، وقال: "زملوهم بكلومهم".

7434 - قال أحمد: وأما الشعبي، فقد روي عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم " صلى يوم أحد على حمزة سبعين صلاة، وليس في حديثه: "فكان يؤتى بتسعة وحمزة عاشرهم فيصلي عليهم".

7435 - فما عندنا من حديثه إنما هو من حديث حصين، عن أبي مالك الغفاري، ثم في رواية أبي يوسف، عن حصين، عن أبي مالك حتى صلى عليه سبعين صلاة .

[ ص: 257 ] 7436 - وهذا لا يستقيم كما قد بينه الشافعي رحمه الله.

7437 - وحديث الشعبي، وأبي مالك كلاهما منقطع.

7438 - وروى أبو بكر بن عياش، عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس، فذكر قصة في قتل حمزة، وفي آخرها قال: ثم "أمر بالقتلى فجعل يصلي عليهم فيوضع تسعة وحمزة فيكبر عليهم سبع تكبيرات ويرفعون، وترك حمزة، ثم يجاء بتسعة فيكبر عليهم سبعا حتى فرغ منهم".

7439 - وهذا يشبه أن يكون غلطا من جهة أبي بكر بن عياش، فإن يزيد بن أبي زياد إنما روى قصة الصلاة، عن عبد الله بن الحارث، عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطعا هكذا.

7440 - رواه محمد بن فضيل، عن يزيد، عن عبد الله بن الحارث، أن النبي "صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة فكبر عليه تسعا".

7441 - وروى محمد بن إسحاق بن يسار، عن رجل، من أصحابه، عن مقسم، عن ابن عباس قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة فكبر عليه سبع تكبيرات، ولم يؤت بقتيل إلا صلى عليه معه حتى صلى عليه اثنين وسبعين صلاة".

7442 - وهذا أيضا منقطع من جهة محمد بن إسحاق، ولا يفرح بما يرويه إذا لم يذكر اسم من يرويه عنه، فكثرة روايته عن الضعفاء والمجهولين .

[ ص: 258 ] 7443 - وهذا يخالف رواية أبي بكر بن عياش في عدد الصلاة ولابد من أن يكون إحدى الروايتين، إما رواية أبي بكر فيوضع تسعة وحمزة فيصلي عليهم ثم يجاء بتسعة.

7444 - أو رواية ابن إسحاق: حتى صلى عليه اثنين وسبعين صلاة غلطا، ولا يمكن الجمع بينهما كما قال الشافعي رحمه الله.

7445 - والأشبه أن يكون كلاهما غلطا لمخالفتهما الراوية الثابتة في ذلك عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وجابر كان قد شهد القصة وقت فراغ النبي صلى الله عليه وسلم إلى القتلى.

7446 - وقد روى فيه الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتيبة شيئا.

7447 - ورده عليه شعبة بن الحجاج فلم يقبله منه وقال: قلت للحكم: صلى النبي صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد؟ فقال: "لا لم يصل على قتلى أحد".

7448 - وفي هذا تضعيف رواية إسماعيل بن عياش، عن عبد الملك بن أبي عتبة أو غيره، عن الحكم بن عتيبة في ذلك مع اختلاف في إسناده على الحكم.

7449 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو الوليد الفقيه قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا حرملة بن يحيى قال: سمعت الشافعي، يقول: لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق، وكان يجئ إلى الرجل فيقول: "لا تحدث وإلا استعديت عليك السلطان".

7450 - قال أحمد: وأما حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم "خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت" - فقد روي في حديثه أنه قال: "صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات" وكأنه صلى الله عليه وسلم وقف على قبورهم فدعا [ ص: 259 ] لهم واستغفر لهم كما كان يدعو لغيرهم من الموتى حين علم قرب أجله كالمودع للأحياء والأموات.

7451 - ولا يدل ذلك على نسخ ما تقدم منه من ترك الصلاة عليهم.

7452 - وإذا لم يثبت الحكم في عين ما ورد فيه إلا على الوجه الذي حملنا الخبر عليه لم ينسخ به ما ثبت من أحكامه.

7453 - والذي روي عن شداد بن الهاد في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على أعرابي أصابه سهم [ ص: 260 ] 7454 - يحتمل أن يكون بقي حيا حتى انقطعت الحرب".

7455 - ونحن نصلي على المرتث وعلى الذي يقتل ظلما في غير معترك الكفار.

7456 - أخبرنا أبو عبد الله، وأبو زكريا، وأبو بكر، وأبو سعيد، قالوا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر: "أن عمر رضي الله عنه غسل وكفن، وصلي عليه" .

[ ص: 261 ] 7457 - قال الشافعي في رواية أبي سعيد: وهو شهيد يعني عمر ولكنه إنما صار إلى الشهادة في غير حرب.

7458 - قال أحمد: وروينا في، مقتل عمر أنه "قتله أبو لؤلؤة بخنجر له رأسان".

7459 - وروينا عن الحسن بن علي، أنه "صلى على علي وكان مقتولا بالسيف في غير حرب".

7460 - وأما الذي أنبأني أبو عبد الله، إجازة قال: أخبرنا أبو الوليد قال: حدثنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا القاسم بن أبي شيبة قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال: حدثنا شريك، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، أن حمزة بن المطلب، وحنظلة بن الراهب أصيبا يوم أحد وهما جنب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت الملائكة تغسلهما"، فهذا إنما يرويه الحجاج بن أرطاة وهو غير محتج به، غير أن له في حنظلة بن الراهب من قتل أهل المغازي شواهد ذكرناها في كتاب السنن.

7461 - قال الشافعي: "ومن أكله سبع أو قتله أهل البغي أو اللصوص، أو لم يعلم من قتله غسل وصلي عليه، فإن لم يوجد إلا بعض جسده صلي على ما وجد منه وغسل ذلك العضو، وبلغنا عن أبي عبيدة أنه صلى على رؤوس".

7462 - حدثنا أبو سعيد قال: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال : [ ص: 262 ] أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا بعض أصحابنا، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، أن أبا عبيدة، "صلى على رؤوس".

7463 - قال الشافعي: وبلغنا "أن طائرا ألقى يدا بمكة في وقعة الجمل فعرفوها بالخاتم فغسلوها وصلوا عليها".

7464 - قال أحمد: وروينا عن علي: أنه "صلى على عمار بن ياسر، وهاشم بن عتبة".

7465 - وروينا عن عمار، أنه قال: "ادفنوني في ثيابي فإني مخاصم".

7466 - وعن زيد بن صوحان: "لا تغسلوا عني دما ولا تنزعوا عني ثوبا، إلا الخفين فإني رجل محاج".

[ ص: 263 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية