الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                876 ص: حدثنا يونس ، قال: أنا ابن وهب ، قال: أخبرني مالك ويونس ، عن ابن شهاب ، عن عطاء بن يزيد ، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " إذا سمعتم المؤذن - وفي حديث مالك النداء - فقولوا ما يقول - في حديث مالك ما يقول المؤذن..." .

                                                التالي السابق


                                                ش: إسناده صحيح، ورجاله كلهم رجال الصحيح، ويونس الأول هو: ابن عبد الأعلى المصري ، والثاني هو: ابن يزيد الأيلي ، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري ، وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك ، والحديث أخرجه الجماعة.

                                                فالبخاري : عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: "إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن" .

                                                ومسلم : عن يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك ، عن ابن شهاب إلى آخره نحوه.

                                                وأبو داود : عن عبد الله بن مسلمة القعنبي ، عن مالك .

                                                والترمذي : عن قتيبة ، عن مالك ، عن الزهري إلى آخره نحوه.

                                                والنسائي : عن قتيبة ، عن مالك .

                                                [ ص: 101 ] وابن ماجه : عن أبي كريب وأبي بكر بن أبي شيبة ، كلاهما عن زيد بن الحباب ، عن مالك ، عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سمعتم النداء فقولوا كما يقول المؤذن" .

                                                قولوا: "النداء" أي الأذان، والفرق بينهما أن لفظ الأذان أو التأذين أخص من لفظ النداء لغة وشرعا، والفرق بين الأذان والتأذين: أن التأذين يتناول جميع ما يصدر من المؤذن من قول وفعل وهيئة ونية، وأما الأذان فهو حقيقة تعقل بدون ذلك.

                                                قوله: "مثل ما يقول" أي مثل قوله، وكلمة ما مصدرية، والمثل هو: النظير، يقال: مثل ومثل ومثيل كشبه وشبه وشبيه، فإن قيل ما معنى المماثلة بين الشيئين؟ قلت: أفيدك ها هنا فائدة تنتفع بها في سائر المواضع، واعلم أن معنى مماثلة بين الشيئين ومجانسة ومشابهة ومساواة ومناسبة ومشاكلة ومطابقة وموازاة، أما المماثلة فهي اتحاد الاثنين في النوع كزيد وعمرو في الإنسانية، والمجانسة اتحادهما في الجنس كاتحاد الإنسان مع الفرس في الحيوانية، والمشابهة في الكيف كاتحاد الزنجي والهندي في السواد، والمساواة في الكم كاتحاد مقدار مع آخر في القدر، والمناسبة في الإضافة كاتحاد شخص مع آخر في أنهما ابنا شخص أو عبداه، والمشاكلة كاتحاد زيد وعمرو في أنهما كاتب، والمطابقة في الأطراف كاتحاد جسم مع آخر في النهايات، والموازاة في وضع الأجزاء كاتحاد خطين أو جسمين في وضع الأجزاء.

                                                فإن قيل: ما حكم هذا الأمر؟

                                                قلت: اختلفوا فيه هل هو على الوجوب أو على الندب؟ فقال الشيخ محيي الدين النووي - رحمه الله -: يستحب إجابة المؤذن بالقول مثل قوله لكل من سمعه من متطهر ومحدث وجنب وحائض وغيرهم ممن لا مانع له من الإجابة، فمن أسباب المنع أن يكون في الخلاء، أو جماع أهله، أو نحوهما، ومنها أن يكون في صلاة، فمن كان في [ ص: 102 ] صلاة فريضة أو نافلة وسمع المؤذن لم يوافقه في الصلاة فإذا سلم أتى بمثله، فلو فعله في الصلاة فهل يكره؟ فيه قولان للشافعي ، أظهرهما يكره لكن لا تبطل صلاته، فلو قال: حي على الصلاة، أو الصلاة خير من النوم بطلت صلاته إن كان عالما بتحريمه لأنه كلام آدمي، ولو سمع الأذان وهو في قراءة وتسبيح ونحوهما قطع ما هو فيه وأتى بمتابعة المؤذن ويتابعه في الإقامة كالأذان إلا أنه يقول في لفظ الإقامة: أقامها الله وأدامها، وإذا ثوب المؤذن في صلاة الصبح فقال: الصلاة خير من النوم، قال سامعه: صدقت وبررت. انتهى.

                                                وقال أصحابنا: الإجابة واجبة على السامعين؛ لأن الأمر يدل على الوجوب؛ والإجابة أن يقول مثل ما قاله المؤذن إلا قوله: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فإنه يقول مكان قوله: "حي على الصلاة": لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ومكان قوله: "حي على الفلاح": ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن؛ لأن إعادة ذلك تشبه المحاكاة والاستهزاء، وكذا إذا قال المؤذن: "الصلاة خير من النوم". لا يقول السامع مثله ولكن يقول: صدقت وبررت. وينبغي أن لا يتكلم السامع في حال الأذان والإقامة ، ولا يقرأ القرآن ولا يسلم، ولا يرد السلام، ولا يشتغل بشيء من الأعمال سوى الإجابة، ولو كان في قراءة القرآن ينبغي أن يقطع القراءة، ويسمع الأذان، ويجيب. وفي "فوائد الرستغفني ": لو سمع وهو في المسجد يمضي في قراءته، وإن كان في بيته فكذلك إن لم يكن أذان مسجده. وعن الحلواني : لو أجاب باللسان ولم يمش إلى المسجد لا يكون مجيبا، ولو كان في المسجد ولم يجب لا يكون آثما ولا تجب الإجابة على من لا تجب عليه الصلاة، ولا يجيب أيضا وهو في الصلاة سواء كانت فرضا أو نفلا. وقال القاضي عياض : اختلف أصحابنا: هل يحكي المصلي لفظ المؤذن في حالة الفريضة أو النافلة أم لا يحكيه فيهما؟ أم يحكيه في النافلة دون الفريضة؟ على ثلاثة أقوال. انتهى.

                                                ثم اختلف أصحابنا: هل يقوله عند سماع كل مؤذن أم لأول مؤذن فقط ؟ وسئل ظهير الدين عن هذه المسألة فقال: تجب عليه إجابة أذان مسجده بالفعل.




                                                الخدمات العلمية