الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                855 ص: حدثنا علي بن معبد ، قال: ثنا روح بن عبادة ، قال: ثنا شعبة ، قال: سمعت خبيب بن عبد الرحمن ، يحدث عن عمته أنيسة ، أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن بلالا - أو ابن أم مكتوم - ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي بلال - أو ابن أم مكتوم - وكان إذا نزل هذا وأراد هذا أن يصعد تعلقوا به وقالوا: كما أنت حتى نتسحر" .

                                                التالي السابق


                                                ش: إسناده صحيح وخبيب - بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة - ابن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف - بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف السين المهملة - الأنصاري الخزرجي، أبو الحارث المدني روى له الجماعة.

                                                [ ص: 70 ] وأنيسة - بضم الهمزة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف - بنت خبيب بن يساف الأنصارية الصحابية .

                                                وأخرجه الطبراني في "الكبير": ثنا عبد الله بن أحمد ، ثنا أبي، ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن عمته أنيسة - وكانت مصلية - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن ابن أم مكتوم - أو بلالا - يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال - أو ابن أم مكتوم - وما كان إلا أن يؤذن أحدهما حتى يصعد الآخر [فنأخذ] بيديه فنقول: كما أنت حتى نتسحر" .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه" من حديث الطيالسي وجماعة، عن شعبة ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، حدثتني عمتي أنيسة قالت: كان بلال وابن أم مكتوم يؤذنان للنبي -عليه السلام-، فقال: إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم . فكنا نحتبس ابن أم مكتوم عن الأذان فنقول: كما أنت حتى نتسحر، ولم يكن بين أذانهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا" .

                                                وأخرجه عن أبي الوليد والحوضي أيضا: قالا: ثنا شعبة ، عن خبيب ، سمعت عمتي أنيسة ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن ابن أم مكتوم ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي بلال " . ثم قال البيهقي : كذا رواه محمد بن أيوب ، وقد رواه الكديمي ، عن أبي الوليد كالأول. ورواه سليمان بن حرب وجماعة عن شعبة بالشك، فقال سليمان : نا شعبة ، حدثني خبيب ، سمعت عمتي - وكانت قد حجت مع رسول الله -عليه السلام- - قالت: قال رسول الله -عليه السلام-: "إن بلالا يؤذن بليل - أو قال: إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل -..." الحديث، وفيه: "فكنا نتعلق به، نقول: كما أنت حتى نتسحر" .

                                                [ ص: 71 ] قال أبو بكر الضبعي : فإن صح رواية أبي عمر الحوضي وغيره فيجوز أن يكون بين ابن أم مكتوم وبين بلال نوب، وإن لم يصح فقد صح من وجوه أن الذي كان يؤذن أولا بلال -رضي الله عنه-.

                                                قوله: "ينادي" أي يؤذن؛ لأن النداء بالصلاة هو الأذان .

                                                قوله: "تعلقوا به" أي تعلقت الناس به.

                                                قوله: "كما أنت" "الكاف" فيه يجوز أن تكون للتعليل ويكون خبر "أنت" محذوفا والتقدير: تعلقنا بك لأنك لا تصبر حتى نتسحر، كما في قوله تعالى: واذكروه كما هداكم أي: لهدايتكم.

                                                ويجوز أن تكون على حالها للتشبيه كما هو الأصل في معناها.

                                                والمعنى: اصبر لا تؤذن كحالك الآن حتى نتسحر.

                                                فإن قيل: كيف يجوز لهم التسحر بإمساك بلال أو ابن أم مكتوم عن الأذان إذا كان الفجر طالعا؟!

                                                قلت: ما كان تعلقهم بأحدهما ليؤخر الأذان حتى يتسحروا وإن كان الفجر طالعا، بل المراد أن لا يستعجل أحدهما في الصعود عقيب أذان الآخر لأن أحدهما كان يؤذن بليل والآخر يصعد، ولهذا قال في رواية الطحاوي : "كان إذا نزل هذا وأراد هذا أن يصعد تعلقوا به..." .

                                                وفي رواية الطبراني : "وما كان إلى [أن] إلى يؤذن أحدهما حتى يصعد الآخر" .

                                                فحينئذ كان تعلقهم به؛ لأجل استعجاله في الصعود لا لأجل أن يؤخر الأذان عن وقته المستحق حتى يتسحروا.




                                                الخدمات العلمية