الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3991 ) فصل : إذا غصب طعاما ، فأطعمه غيره ، فللمالك تضمين أيهما شاء ; لأن الغاصب حال بينه وبين ماله ، والآكل أتلف مال غيره بغير إذنه ، وقبضه عن يد ضامنه بغير إذن مالكه ، فإن كان الآكل عالما [ ص: 170 ] بالغصب ، استقر الضمان عليه ; لكونه أتلف مال غيره بغير إذن عالما من غير تغرير ، فإذا ضمن الغاصب ، رجع عليه ، وإن ضمن الآكل ، لم يرجع على أحد .

                                                                                                                                            وإن لم يعلم الآكل بالغصب نظرنا ; فإن كان الغاصب قال له : كله ، فإنه طعامي . استقر الضمان عليه ; لاعترافه بأن الضمان باق عليه ، وأنه لا يلزم الآكل شيء . وإن لم يقل ذلك ، ففيه روايتان ; إحداهما ، يستقر الضمان على الآكل . وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي في الجديد ; لأنه ضمن ما أتلف ، فلم يرجع به على أحد .

                                                                                                                                            والثانية ، يستقر الضمان على الغاصب ; لأنه غر الآكل ، وأطعمه على أنه لا يضمنه . وهذا ظاهر كلام الخرقي ; لقوله في المشتري للأمة : يرجع بالمهر وكل ما غرم على الغاصب . وأيهما استقر عليه الضمان فغرمه ، لم يرجع على أحد ، فإن غرمه صاحبه ، رجع عليه . وإن أطعم المغصوب لمالكه ، فأكله عالما أنه طعامه ، برئ الغاصب . وإن لم يعلم ، وقال له الغاصب : كله ، فإنه طعامي . استقر الضمان على الغاصب ;

                                                                                                                                            لما ذكرنا ، وإن كانت له بينة بأنه طعام المغصوب منه . وإن لم يقل ذلك ، بل قدمه إليه ، وقال : كله ، أو قال : قد وهبتك إياه . أو سكت ، فظاهر كلام أحمد أنه لا يبرأ ; لأنه قال في رواية الأثرم ، في رجل ، له قبل رجل تبعة ، فأوصلها إليه على سبيل صدقة أو هدية ، فلم يعلم ، فقال : كيف هذا ؟ هذا يرى أنه هدية . يقول له : هذا لك عندي .

                                                                                                                                            وهذا يدل على أنه لا يبرأ هاهنا بأكل المالك طعامه بطريق الأولى ; لأنه ثم رد إليه يده وسلطانه ، وها هنا بالتقديم إليه لم تعد إليه اليد والسلطان ، فإنه لا يتمكن من التصرف فيه بكل ما يريد ، من أخذه وبيعه والصدقة به ، فلم يبرأ الغاصب ، كما لو علفه لدوابه ، ويتخرج أن يبرأ بناء على ما مضى إذا أطعمه لغير مالكه ، فإنه يستقر الضمان على الآكل في إحدى الروايتين ، فيبرأ هاهنا بطريق الأولى . وهذا مذهب أبي حنيفة . . وإن وهب المغصوب لمالكه ، أو أهداه إليه ،

                                                                                                                                            فالصحيح أنه يبرأ ; لأنه قد سلمه إليه تسليما صحيحا تاما ، وزالت يد الغاصب ، وكلام أحمد ، في رواية الأثرم ، وارد فيما إذا أعطاه عوض حقه على سبيل الهدية ، فأخذه المالك على هذا الوجه ، لا على سبيل العوض ، فلم تثبت المعاوضة ، ومسألتنا فيما إذا رد إليه عين ماله ، وأعاد يده التي أزالها . وإن باعه إياه ، وسلمه إليه ، برئ من الضمان ; لأنه قبضه بالابتياع ، والابتياع يوجب الضمان وإن أقرضه إياه ، برئ أيضا ; لذلك . وإن أعاره إياه ، برئ أيضا ; لأن العارية توجب الضمان .

                                                                                                                                            وإن أودعه إياه ، أو آجره إياه ، أو رهنه ، أو أسلمه عنده ليقصره أو يعلمه ، لم يبرأ من الضمان ، إلا أن يكون عالما بالحال ; لأنه لم يعد إليه سلطانه ، إنما قبضه على أنه أمانة . وقال بعض أصحابنا : يبرأ ; لأنه عاد إلى يده وسلطانه .

                                                                                                                                            وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي . والأول أولى ; فإنه لو أباحه إياه فأكله ، لم يبرأ ، فهاهنا أولى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية