الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فإن ساقاه على مدة لا تكمل فيها الثمرة ، فالمساقاة فاسدة . فإذا عمل فيها ، فظهرت الثمرة ولم تكمل ، فله أجر مثله ، في أحد الوجهين ، وفي الآخر ، لا شيء له ; لأنه رضي بالعمل بغير عوض ، فهو كالمتبرع

                                                                                                                                            والأول أصح ; لأن هذا لم يرض إلا بعوض ، وهو جزء من الثمرة ، وذلك الجزء موجود ، غير أنه لا يمكن تسليمه إليه ، فلما تعذر دفع العوض الذي اتفقا عليه إليه ، كان له أجر مثله ، كما في الإجارة الفاسدة . وفارق المتبرع ; فإنه رضي بغير شيء . وإن لم تظهر الثمرة فلا شيء له ، في أصح الوجهين ; لأنه رضي بالعمل بغير عوض . وإن ساقاه إلى مدة تكمل فيها الثمرة غالبا ، فلم يحمل تلك السنة ، فلا شيء للعامل ; لأنه عقد صحيح ، لم يظهر فيه النماء الذي اشترط جزؤه ، فأشبه المضاربة إذا لم يربح فيها

                                                                                                                                            وإن ظهرت الثمرة ، ولم تكمل ، فله نصيبه منها ، وعليه إتمام العمل فيها ، كما لو انفسخت قبل كمالها . وإن ساقاه إلى مدة يحتمل أن يكون للشجر ثمرة . ويحتمل أن لا يكون ، ففي صحة المساقاة وجهان : أحدهما تصح ; لأن الشجر يحتمل أن يحمل ، ويحتمل أن لا يحمل ، والمساقاة جائزة فيه . والثاني لا يصح ; لأنه عقد على معدوم ، ليس الغالب وجوده ، فلم تصح ، [ ص: 235 ] كالسلم في مثل ذلك ، ولأن ذلك غرر أمكن التحرز عنه ، فلم يجز العقد معه ، كما لو شرط ثمر نخلة بعينها . وفارق ما إذا شرط مدة تكمل فيها الثمرة ، فإن الغالب أن الشجر يحمل ، واحتمال أن لا يحمل نادر ، لم يمكن التحرز عنه

                                                                                                                                            فإن قلنا : العقد صحيح . فله حصته من الثمر . فإن لم يحمل ، فلا شيء له . وإن قلنا : هو فاسد . استحق أجر المثل ، سواء حمل أو لم يحمل ; لأنه لم يرض بغير عوض ، ولم يسلم له العوض ، فكان له العوض ، وجها واحدا ، بخلاف ما لو جعل الأجل إلى مدة لا يحمل في مثلها غالبا . ومتى خرجت الثمرة قبل انقضاء الأجل ، فله حقه منها إذا قلنا بصحة العقد ، وإن خرجت بعده ، فلا حق له فيها . ومذهب الشافعي في هذا قريب مما ذكرنا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية