الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1775 1776 1777 1778 1779 1780 1781 ص: ولم نجد شيئا من التطوع كله كره أن تمد فيه القراءة، بل استحب طول القنوت، روي ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

                                                فمن ذلك: ما حدثنا به علي بن معبد، قال: ثنا شجاع بن الوليد، قال: ثنا سليمان بن مهران (ح).

                                                وثنا أبو بشر الرقي ، قال: ثنا الفريابي، قال: ثنا مالك بن مغول ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال: "أتى رجل رسول الله - عليه السلام - فقال: أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت".

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال: ثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر، أن رسول الله - عليه السلام - قال: "أفضل الصلاة طول القنوت".

                                                حدثنا علي بن معبد ، قال: ثنا الحجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، قال: حدثني عثمان بن أبي سليمان ، عن علي الأزدي ، عن عبيد بن عمير ، عن عبد الله بن حبشي الخثعمي: "أن النبي - عليه السلام - سئل: أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القيام".

                                                حدثنا محمد بن النعمان السقطي ، قال: ثنا الحميدي ، قال: ثنا سفيان ، قال: سمعت أبا الزبير يحدث، عن جابر، أن النبي - عليه السلام - قال: " أفضل الصلاة طول القيام".

                                                حدثنا يزيد بن سنان ، قال: ثنا حبان بن هلال، قال: ثنا سويد أبو حاتم ، قال: حدثني عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن أبيه ، عن جده " ، أن رجلا سأل النبي - عليه السلام -: أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت أبو جعفر -رحمه الله-: سمعت ابن أبي عمران يقول: سمعت ابن سماعة يقول: سمعت محمد بن الحسن يقول: بذلك نأخذ، هو أفضل عندنا من كثرة الركوع والسجود مع قلة طول القيام. . . .

                                                التالي السابق


                                                ش: لما ذكر أن ركعتي الفجر كسائر التطوعات، وأن القراءة لا بد فيهما كما في غيرهما من التطوعات; ذكر أنه لا يوجد قط تطوع يكره فيه مد القراءة أي تطويلها،

                                                [ ص: 135 ] بل يستحب طول القنوت; وهو القراءة أو القيام، فالقيام إذا طال لا يخلو عن القراءة الطويلة، والدليل على ذلك أنه قد روي عنه - عليه السلام -: أن أفضل الصلاة طول القنوت، أي القيام أو القراءة.

                                                وأخرج ذلك عن ثلاثة من الصحابة - رضي الله عنهم -.

                                                أما حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - فأخرج عنه من أربع طرق صحاح:

                                                الأول: عن علي بن معبد بن نوح المصري ، عن شجاع بن الوليد بن قيس السكوني ، عن سليمان بن مهران الأعمش ، عن أبي سفيان طلحة بن نافع القرشي الواسطي -ويقال المكي- الإسكاف ، عن جابر - رضي الله عنه -.

                                                وأخرجه مسلم : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا: ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال: "سئل رسول الله - عليه السلام -: أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت".

                                                الثاني: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي ، عن محمد بن يوسف الفريابي -شيخ البخاري- عن مالك بن مغول -بكسر الميم وسكون الغين المعجمة- البجلي الكوفي ، عن سليمان الأعمش ... إلى آخره.

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده" : ثنا أبو معاوية ويعلى ووكيع، قالوا: ثنا الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال: "سئل رسول الله - عليه السلام - أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت".

                                                الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد ، عن عبد الملك بن جريج المكي ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، عن جابر .

                                                [ ص: 136 ] وأخرجه مسلم : ثنا عبد بن حميد، ثنا أبو عاصم، قال: أنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير ، عن جابر قال: قال رسول الله - عليه السلام -: "أفضل الصلاة طول القنوت".

                                                الرابع: عن محمد بن النعمان السقطي ، عن عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبد الله بن أسامة بن عبد الله بن حميد الحميدي أبي بكر المكي شيخ البخاري ، عن سفيان بن عيينة ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم المكي ، عن جابر .

                                                وأخرجه العدني في "مسنده": ثنا سفيان -هو ابن عيينة- عن أبي الزبير ، عن جابر قال: "قيل للنبي - عليه السلام -: أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت".

                                                وأما حديث عبد الله بن حبشي -بضم الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف.

                                                وأخرجه بإسناد صحيح، عن علي بن معبد بن نوح ، عن الحجاج بن محمد الأعور المصيصي ، عن عبد الملك بن جريج ، عن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم المكي روى له مسلم وأبو داود والنسائي ، عن علي بن عبد الله البارقي الأزدي روى له الجماعة سوى البخاري ، عن عبيد بن عمير بن قتادة أبي عاصم المكي روى له الجماعة.

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا ابن حنبل -يعني أحمد- نا حجاج ... إلى آخره نحو رواية الطحاوي، غير أن في لفظه: "سئل: أي الأعمال أفضل؟ ".

                                                وأما حديث عمير بن قتادة الصحابي: فأخرجه عن يزيد بن سنان القزاز شيخ النسائي أيضا، عن حبان -بفتح الحاء وتشديد الباء الموحدة- بن هلال البصري روى له الجماعة، عن سويد بن إبراهيم أبي حاتم الجحدري الخياط، ضعفه يحيى والنسائي، وقال أبو زرعة: ليس بالقوي.

                                                [ ص: 137 ] عن عبد الله بن عبيد بن عمير أبي هاشم المكي روى له الجماعة سوى البخاري ، عن أبيه عبيد بن عمير روى له الجماعة، عن جده عمير بن قتادة بن سعيد الليثي ثم الجندعي، لم يرو عنه غير ابنه عبيد .

                                                وأخرجه الطبراني في الكبير : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل وجعفر بن محمد الفريابي والحسين بن إسحاق التستري، قالوا: ثنا حوثرة بن أشرس، ثنا سويد أبو حاتم صاحب الطعام ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن أبيه، عن جده: "أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت، قال: أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل، قال: أي المؤمنين أكمل إيمانا؟ قال: أحسنهم خلقا" انتهى.

                                                والمراد من القنوت: القيام وإن كان يأتي بمعان كثيرة كالطاعة والخشوع والصلاة والدعاء والعبادة والسكوت والقيام وطول السجود والقراءة، فينصرف في كل واحد من هذه المعاني إلى ما يحتمله لفظ الحديث الوارد فيه.

                                                قوله: "أي الصلاة" أو "أي الأعمال" وارد على حسب اختلاف الأحوال والأشخاص، فإنه قد يقال: خير الأشياء كذا ولا يراد أنه خير جميع الأشياء من جميع الوجوه وفي جميع الأحوال والأشخاص، بل في حال دون حال، والمراد: من أفضل الصلاة أو من أفضل الأعمال: طول القيام، كما يقال: فلان أعقل الأشخاص وأفضلهم، ويراد أنه من أعقلهم ومن أفضلهم.

                                                قوله: "قال أبو جعفر: سمعت ابن أبي عمران ... " إلى آخره، أشار به إلى أن مذهب أصحابنا أن طول القيام أفضل من كثرة الركوع والسجود، وهو مذهب الجمهور، وقد مر الكلام فيه مستقصى.

                                                وابن أبي عمران هو أحمد بن موسى بن عيسى الفقيه البغدادي نزيل مصر، وثقه ابن يونس، وتفقه على محمد بن سماعة بن عبيد الله، أحد الثقات الأثبات، وقال

                                                [ ص: 138 ] ابن الجوزي: هو من الحفاظ الثقات، وكان يصلي كل يوم مائتي ركعة، وهو من أصحاب أبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة - رضي الله عنهم -.




                                                الخدمات العلمية