الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1730 ص: وقد روي في ذلك عن أم سلمة، عن النبي - عليه السلام -: ما حدثنا فهد ، قال: ثنا علي بن معبد ، قال: ثنا جرير بن الحميد ، عن منصور ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن أم سلمة ، - رضي الله عنها - قالت: " كان رسول الله - عليه السلام - يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا بكلام".

                                                فقد يجوز أن يكون هذا قبل أن يحكم الوتر ، فكان من شاء أوتر بخمس ومن شاء أوتر بسبع، وكان إنما يراد منهم أن يصلوا وترا لا عدد له معلوما.

                                                التالي السابق


                                                ش: لما كان هذا الحديث واردا على ما قرره من أن المعنى من الأحاديث المذكورة يرجع إلى أنه - عليه السلام - كان يوتر بثلاث، وإن كان قد أطلق فيها الوتر على تطوعه مع وتره جميعا ذكره هنا ليجيب عنه.

                                                [ ص: 91 ] وتقرير الجواب: أنه قد يجوز أن يكون حديث أم سلمة هذا قبل إحكام أمر الوتر; وذلك لأنهم كانوا أولا مخيرين في أن يوتروا إن شاءوا بسبع وإن شاءوا بخمس وإن شاءوا بثلاث، وإن شاءوا بواحدة وكأن المراد منهم أن يوتروا وترا بلا عدد معين، ألا ترى إلى ما قال في حديث أبي أيوب الأنصاري : "أوتر بخمس، فإن لم تستطع فبثلاث، فإن لم تستطع فبواحدة، فإن لم تستطع فأوم إيماء".

                                                ثم إن الأمة قد أجمعوا بعد النبي - عليه السلام - على وتر لا يجوز لكل من أوتر به أن يتجاوزه إلى غيره، فصار إجماعهم ناسخا لما قد تقدمه من التخيير الذي كان في عدد الوتر، هذا ما ذكره الطحاوي .

                                                فإن قيل: كيف يجوز النسخ بالإجماع وأوان النسخ حال حياة النبي - عليه السلام -; للاتفاق على أنه لا نسخ بعده، وفي حال حياته ما كان ينعقد الإجماع بدون رأيه؟

                                                قلت: ليس المراد من قولنا: صار إجماعهم ناسخا لما قد تقدمه من التخيير، أن النسخ وقع بعد النبي - عليه السلام - بالإجماع، وإنما المراد أن النسخ كان في حياة النبي - عليه السلام -، وأن الإجماع وقع على كون هذا النسخ في حياته، فصار استناد الإجماع إلى زمن الرسول - عليه السلام -.

                                                فإن قيل: كيف حقيقة النسخ بالإجماع؟

                                                قلت: حقيقة ذلك أن النسخ بدليل الإجماع لا يجوز; لأن أوان النسخ حال حياته - عليه السلام - كما ذكرنا ولا نسخ بعده، وإنما يكون الإجماع موجبا للعلم بعده ولا نسخ بعده، ولكن جوزه بعض المشايخ بطريق أن الإجماع يوجب علم اليقين كالنص، فيجوز أن يثبت النسخ به، وقالوا: الإجماع في كونه حجة أقوى الخبر المشهور، فإذا كان يجوز النسخ بالخبر المشهور فبالإجماع أولى، والجواب عنه ما ذكرناه.

                                                ثم إسناد حديث أم سلمة صحيح، أخرجه عن فهد بن سليمان ، عن علي بن معبد بن شداد صاحب محمد بن الحسن، وثقه أبو حاتم .

                                                [ ص: 92 ] عن جرير بن عبد الحميد الضبي الرازي القاضي أحد أصحاب أبي حنيفة، روى له الجماعة.

                                                عن منصور بن المعتمر روى له الجماعة، عن الحكم بن عتيبة روى له الجماعة، عن مقسم بن بجرة -بباء موحدة وجيم وراء مفتوحات- روى له الجماعة سوى مسلم ، عن أم المؤمنين أم سلمة واسمها: هند بنت أبي أمية.

                                                وأخرجه النسائي أنا القاسم بن زكرياء بن دينار، قال: ثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن منصور ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، عن أم سلمة قالت: "كان رسول الله - عليه السلام - يوتر بسبع أو بخمس لا يفصل بينهن بسلام".

                                                وأخرجه ابن ماجه نحو رواية الطحاوي .




                                                الخدمات العلمية