الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2011 ص: فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تطوع بعد الوتر بركعتين وهو جالس، ولم يكن ذلك ناقضا لوتره المتقدم، فهذا أولى مما تأوله أهل المقالة الأولى وادعوه من معنى حديث علي - رضي الله عنه - أن النبي - عليه السلام - انتهى وتره إلى السحر مع أن ذلك أيضا ليس فيه خلاف عندنا لهذا; لأنه قد يجوز أن يكون وتره ينتهي إلى السحر ثم يتطوع بعده قبل طلوع الفجر.

                                                فإن قال قائل: فيحتمل أن تكون تانك الركعتان هما ركعتا الفجر فلا يكون ذلك من صلاة الليل.

                                                قيل له: لا يجوز ذلك من جهتين:

                                                أما إحداهما: فلأن سعد بن هشام إنما سأل عائشة عن صلاة النبي - عليه السلام - بالليل، فكان ذلك منها جوابا لسؤاله، وإخبارا منها إياه عن صلاته بالليل كيف كانت.

                                                والجهة الأخرى: أنه ليس لأحد أن يصلي ركعتي الفجر جالسا وهو يطيق القيام; لأنه بذلك تارك لقيامها، وإنما يجوز أن يصلي قاعدا وهو يطيق القيام ما

                                                [ ص: 418 ] له أن لا يصليه البتة ويكون له تركه، فيكون كما له تركه بكماله يكون له ترك القيام فيه، فأما ما ليس له تركه فليس له ترك القيام فيه، فثبت بذلك أن تينك الركعتين اللتين تطوع بهما النبي - عليه السلام - بعد الوتر كانتا من صلاة الليل، وفي ذلك ما يجب به قول الذين لم يروا بالتطوع في الليل بعد الوتر بأسا ولم ينقضوا الوتر، . وقد روي عن النبي - عليه السلام - في ذلك من قوله- ما يدل على هذا أيضا - ما قد ذكرنا عنه في حديث ثوبان . - رضي الله عنه -.

                                                التالي السابق


                                                ش: نبه بقوله: "فهذا رسول الله - عليه السلام -" على أنه - عليه السلام - قد تطوع بعد وتره كما صرح به في حديث عائشة وأنس وأبي أمامة - رضي الله عنهم -، وأنه قد دل على أن ذلك لم يكن ناقضا لوتره المتقدم، وكذا أمره بالركعتين في حديث ثوبان يدل على ذلك.

                                                ثم إنه رجح هذا المعنى الذي احتج به أهل المقالة الثانية على المعنى الذي تأوله أهل المقالة الأولى من قول علي - رضي الله عنه - في حديثه: "ثم ثبت له الوتر في هذه الساعة.

                                                قال: وذاك عند طلوع الفجر".

                                                وقد أول الطحاوي هذا فيما مضى بقوله: "وهذا عندنا على قرب طلوع الفجر قبل أن يطلع الفجر"، فيكون المعنى: عند مشارفة الوقت الذي صلي فيه على طلوع الفجر كما في قوله تعالى: فإذا بلغن أجلهن أي: فإذا أشرفن على بلوغ الأجل، وإنما أول بهذا التأويل ليرتفع الخلاف بين حديثي علي:

                                                أحدهما: ما رواه عنه عاصم بن ضمرة: "كان النبي - عليه السلام - يوتر أول الليل وفي وسطه وفي آخره، ثم ثبت له الوتر في آخره".

                                                والآخر: ما رواه عنه عبد خير: "كان يوتر أول الليل، ثم بدا له فأوتر وسطه، ثم ثبت له الوتر في هذه الساعة. قال: وذاك عند طلوع الفجر".

                                                قوله: "مع أن ذلك أيضا ... " إلى آخره، جواب آخر بطريق التسليم، يعني:

                                                [ ص: 419 ] سلمنا أن وتره - عليه السلام - قد انتهى إلى السحر، ولكن هذا لا يمنع عن تطوعه بعد طلوع الفجر; فإنه يجوز أن يكون وتره ينتهي إلى السحر، ثم يتطوع بعد طلوع الفجر.

                                                قوله: "فإن قال قائل ... " إلى آخره ظاهر غني عن مزيد البيان.

                                                قوله: "تانك الركعتان" أراد بهما الركعتين اللتين صلاهما النبي - عليه السلام - بعد وتره في حديث عائشة وهو من أسماء الإشارة في تثنية المؤنث، ويجوز فيه تخفيف النون وتشديدها فتقول: تانك وتانك وجمعها أولئك من غير لفظ واحده، وتقول في تثنية المذكر: ذانك وذانك بالتخفيف والتشديد، قال الله تعالى: فذانك برهانان من ربك فقرئ بالتشديد والتخفيف، وتقول في مفرد المؤنث: تلك وتالك وتيك وتاك، ويقال أيضا: هاتيك وهاتاك وهاتلك وهاتالك، وفي مفرد المذكر: ذلك وذاك، وكل هذه إشارات لغير الحاضر، فافهم.

                                                قوله: "فلأن سعد بن هشام إنما سأل عائشة ... " إلى آخره، قد مر حديثه مستوفى في باب الوتر.

                                                قوله: "وهو يطيق القيام" جملة حالية في الموضعين.

                                                قوله: "ما له أن لا يصليه" في محل النصب على أنه مفعول لقوله: "وإنما يجوز أن يصلي قاعدا".

                                                قوله: "البتة" نصب على المصدر من بت يبت، وهو مصدر معرف باللام نحو ضربت الضربة.

                                                قوله: "فيكون كما له تركه" أي: كما للمصلي ترك ما له أن لا يصليه بكماله يكون له ترك القيام فيه; لكونه نفلا محضا بخلاف سنة الفجر فإنها سنة مؤكدة كادت أن تكون واجبة، فلا يجوز ترك القيام فيها عند القدرة عليه، ألا ترى أن الحسن البصري قد ذهب إلى وجوب ركعتي الفجر، وهو مذهب بعض الظاهرية أيضا.




                                                الخدمات العلمية