[ ص: 541 ] المسألة الرابعة
[ في جواز النسخ بعد اعتقاد المنسوخ والعمل به ] : اعلم أنه يجوز ، بلا خلاف . النسخ بعد اعتقاد المنسوخ والعمل به
قال الماوردي : وسواء عمل به كل الناس ; كاستقبال بيت المقدس ، أو بعضهم ; كفرض الصدقة عند مناجاة الرسول .
ولا خلاف أيضا في جواز بعد علمه بتكليفه به ، وذلك بأن يمضي من الوقت المعين ما يسع الفعل . النسخ بعد التمكن من الفعل الذي تعلق به الحكم
وقد حكي الخلاف في ذلك عن الكرخي .
وأما ، كما إذا أمر الله تعالى النسخ قبل علم المكلف بوجوب ذلك الفعل عليه جبريل - عليه السلام - أن يعلم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بوجوب شيء على الأمة ، ثم ينسخه قبل أن يعملوا به ، فحكى السمعاني في ذلك الاتفاق على المنع .
قال الزركشي : وليس كذلك ، ففي المسألة وجهان لأصحابنا ، حكاهما الأستاذ أبو منصور ، وإلكيا . انتهى . ويرد على المنع ما ثبت في ليلة المعراج من فرض خمسين صلاة ثم استقرت على خمس .
ولا وجه لما قيل : إن ذلك كان على سبيل التقرير دون النسخ .
قال ابن برهان في الوجيز : نسخ الحكم قبل علم المكلف بوجوبه جائز عندنا ، ومنعت من ذلك المعتزلة ، وأصحاب أبي حنيفة ، وزعموا أن النسخ قبل العلم يتضمن تكليف المحال .
قال : وهذه المسألة فرع تكليف ما لا يطاق ، فإذا قضينا بصحته ; صح النسخ حينئذ .
قال : واحتج علماؤنا في هذه المسألة بقصة المعراج ، فإن الله تعالى أوجب على الأمة خمسين صلاة ، ثم نسخها قبل علمهم بوجوبها ، وهذا لا حجة فيه ; لأن النسخ إنما [ ص: 542 ] كان بعد العلم ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أحد المكلفين ، وقد علم ، ولكنه قبل علم جميع الأمة ، وعلم الجميع لا يشترط ، فإن التكليف استقر بعلم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فلا اعتماد على هذا الحديث انتهى .
ويجاب عنه : بأن عدم علم الأمة يقتضي وقوع النسخ قبل علم المكلفين بما كلفوا به ، وهو محل النزاع .
وحكى القاضي أبو بكر وغيره ، عن جمهور الفقهاء والمتكلمين أن مثل هذا لا يكون نسخا .
وقال بعض المتأخرين : اتفقت الأشاعرة على جوازه ، والمعتزلة على منعه . نسخ الحكم قبل علم المكلف بالحكم المنسوخ
وحكى الفقهاء في المسألة طريقين :
( أحدهما ) : أن للشافعي في المسألة قولين .
( والثاني ) : ، فمنعوه في الأول وجوزوه في الثاني ، كتكليف الغافل ، وهو مذهب أبي حنيفة انتهى . الفرق بين الأحكام التكليفية ، والأحكام التعريفية
وأما إذا كان المكلف قد علم بوجوبه عليه ، ولكن لم يكن قد دخل وقته ، وسواء كان موسعا ، كما لو قال ( اقتلوا المشركين غدا ) ثم نسخ عنهم في ذلك اليوم ، أو يكون على الفور ، ثم نسخ قبل التمكن من الفعل ، أو يؤمر بالعبادة مطلقا ، ثم نسخ قبل مضي وقت يمكن فعلها فيه ، فذهب الجمهور إلى الجواز ، ونقله ابن برهان عن الأشعرية ، وجماعة من الحنفية ، ونقله غيرهم عن معتزلة البصرة .
قال القاضي في التقريب : وهو قول جميع أهل الحق .
وذهب أكثر الحنفية كما قاله ابن السمعاني ، والحنابلة ، والمعتزلة إلى المنع ، وبه قال الكرخي والجصاص ، والماتريدي والدبوسي ، والصيرفي .
[ ص: 543 ] احتج الجمهور : بأنه لا مانع من ذلك ، لا عقلا ولا شرعا مع أن المقتضى موجود ، وهو أنه رفع تكليف قد ثبت على المكلف ، فكان نسخا ، وليس في ذلك ما يستلزم البداء ، ولا المحال ; لأن المصلحة التي جاز النسخ لأجلها بعد التمكن من الفعل ، وبعد دخول الوقت يصح اعتبارها قبل التمكن من الفعل ، وقبل دخول الوقت ، للقطع بأن تبديل حكم بحكم ، ورفع شرع بشرع كائن فيهما .
وأما ، إما لكونه موسعا ، أو لكونه أراد أن يشرع فيه ، فنسخ ، فقال إذا كان قد دخل وقت المأمور به ، لكن وقع نسخه قبل فعله سليم الرازي وابن الصباغ إنه لا خلاف بين أهل العلم في جوازه ، وجعلوا صورة الخلاف فيما إذا كان النسخ قبل دخول الوقت ، وكذا نقل الإجماع في هذه الصورة ابن برهان وبعض الحنابلة ، ، وبه صرح والآمدي في البرهان . إمام الحرمين
وأما ، فقال إذا كان قد دخل وقته ، وشرع في فعله ، فنسخ قبل تمام الفعل القرافي : لم أر فيه نقلا ، وجعلها الأصفهاني في شرح المحصول من صور الخلاف ، فمن قال بالجواز جوز هذه الصورة ، ومن قال بالمنع منعها .
وأما . إذا وقع النسخ بعد خروج الوقت قبل الفعل
قال الزركشي : فمقتضى استدلال أنه يمتنع بالاتفاق ، ووجهه بأن التكليف بذلك الفعل المأمور به بعد مضي وقته ينتفي لانتفاء الوقت ، وإذا انتفى فلا يمكن رفعه ; لامتناع رفع المعدوم ، لكن صرح الآمدي في الإحكام بالجواز ، وأنه لا خلاف فيه . ابن الحاجب
قيل : ولا يتأتى إلا إذا صرح بوجوب القضاء ، أو على القول بأن الأمر بالأداء يستلزم القضاء .