المسألة الخامسة
أنه ، وإليه ذهب الجمهور ، وهو الحق الذي لا سترة به ، فإنه قد وقع النسخ في هذه الشريعة المطهرة لأمور معروفة لا إلى بدل . لا يشترط في النسخ أن يخلفه بدل
[ ص: 544 ] ومن ذلك نسخ تقديم الصدقة بين يدي مناجاة الرسول ، ونسخ ادخار لحوم الأضاحي ، ونسخ تحريم المباشرة بقوله سبحانه : فالآن باشروهن ، ونسخ قيام الليل في حقه - صلى الله عليه وآله وسلم - .
وأما ما تمسك به المخالفون ، وهم بعض المعتزلة ، وقيل : كلهم ، والظاهرية ، من قوله سبحانه : ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها فلا دلالة في ذلك على محل النزاع فإن المراد نسخ لفظ الآية كما يدل عليه قوله تعالى : نأت بخير منها أو مثلها فليس لنسخ الحكم ذكر في الآية ولو سلمنا لجاز أن يقال : إن إسقاط ذلك الحكم خير من ثبوته في ذلك الوقت .
وقد نص الشافعي في الرسالة على أنه يختار ما ذهب إليه القائلون باشتراط البدل ، [ ص: 545 ] فقال : " وليس ينسخ فرض أبدا إلا أثبت مكانه فرض ، كما نسخت قبلة بيت المقدس ، فأثبت مكانها الكعبة . قال : وكل منسوخ في كتاب الله وسنته - صلى الله عليه وآله وسلم - هكذا .
قال الصيرفي ، : إنما أراد وأبو إسحاق المروزي بهذه العبارة أنه ينقل من حظر إلى إباحة ، أو من إباحة إلى حظر ، أو يخبر على حسب أحوال المفروض ، كما في المناجاة ، فإنه كان يناجي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بلا تقديم صدقة ، ثم فرض الله تقديم الصدقة ، ثم أزال ذلك فردهم على ما كانوا عليه ، وهذا الحمل هو الذي ينبغي تفسير كلام الشافعي به ، فإن مثله لا يخفى عليه وقوع النسخ في هذه الشريعة بلا بدل ، ولا شك في أنه يجوز ارتفاع التكليف بالشيء ، والنسخ مثله ; لأنه رفع تكليف ، ولم يمنع من ذلك شرع ولا عقل ، بل دل الدليل على الوقوع . الشافعي