المسلك الثالث  
الإيماء والتنبيه   
وضابطه : الاقتران بوصف ، لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل; لكان بعيدا فيحمل على التعليل دفعا للاستعباد .  
وحاصله أن ذكره يمتنع أن يكون لا لفائدة; لأنه عبث ، فيتعين أن يكون لفائدة ، وهي إما كونه علة أو جزء علة ، أو شرطا ، والأظهر كونه علة; لأنه الأكثر في      [ ص: 619 ] تصرفات الشرع وهو أنواع :  
( الأول ) : تعليق الحكم على العلة بالفاء ، وهو على وجهين :  
( أحدهما ) : أن تدخل الفاء على العلة ، ويكون الحكم متقدما ، كقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في المحرم الذي وقصته ناقته :  فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا     .  
( ثانيهما ) : أن تدخل الفاء على الحكم ، وتكون العلة متقدمة ، وذلك أيضا على وجهين :  
( أحدهما ) : أن تكون الفاء دخلت على كلام الشارع ، مثل قوله تعالى :  والسارق والسارقة فاقطعوا   ،  إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا      .  
( وثانيهما ) : أن تدخل على رواية الراوي ، كقوله : سها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فسجد ، و " زنى  ماعز  فرجم " كذا في المحصول وغيره .  
( النوع الثاني ) : أن يذكر الشارع مع الحكم وصفا ، لو لم يكن علة لعرى عن الفائدة إما مع سؤال في محله ، أو سؤال في نظيره .  
( فالأول ) : كقول الأعرابي : واقعت أهلي في رمضان . فقال :  اعتق رقبة   [ ص: 620 ] فإنه يدل على أن الوقاع علة للإعتاق ، والسؤال مقدر في الجواب ، كأنه قال : إذا واقعت فكفر .  
( الثاني ) : كقوله  وقد سألته الخثعمية : إن أبي أدركته الوفاة ، وعليه فريضة الحج ، أفينفعه إن حججت عنه ؟ فقال : " أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، أكان ينفعه ؟ " قالت : نعم     .  
فذكر نظيره ، وهو دين الآدمي ، فنبه على كونه علة في النفع ، وإلا لزم العبث .  
وذهب جماعة من الأصوليين إلى أن شرط فهم التعليل من هذا النوع أن يدل الدليل على أن الحكم وقع جوابا; إذ من الممكن أن يكون الحكم استئنافا ، لا جوابا ، وذلك كمن تصدى للتدريس ، فأخبره تلميذه بموت السلطان ، فأمره عقب الإخبار بقراءة درسه ، فإنه لا يدل على تعليل القراءة بذلك الخبر ، بل الأمر بالاشتغال بما هو بصدده ، وترك ما لا يعنيه .  
( النوع الثالث ) : أن يفرق بين الحكمين لوصف ، نحو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -  للراجل سهم وللفارس سهمان  فإن ذلك يفيد أن الموجب للاستحقاق للسهم والسهمين هو الوصف المذكور .  
( النوع الرابع ) : أن يذكر عقب الكلام أو في سياقه شيئا ، لو لم يعلل به الحكم المذكور لم ينتظم الكلام ، كقوله تعالى :  وذروا البيع      ; لأن الآية سيقت لبيان وقت الجمعة وأحكامها ، فلو لم يعلل النهي عن البيع بكونه مانعا من الصلاة ، أو شاغلا عن المشي إليها; لكان ذكره عبثا; لأن البيع لا يمنع منه مطلقا .  
 [ ص: 621 ]    ( النوع الخامس ) : ربط الحكم باسم مشتق ، فإن تعليق الحكم به مشعر بالعلية ، نحو : أكرم زيدا العالم ، فإن ذكر الوصف المشتق مشعر بأن الإكرام لأجل العلم .  
( النوع السادس ) : ترتب الحكم على الوصف بصيغة الشرط والجزاء ، كقوله تعالى :  ومن يتق الله يجعل له مخرجا   أي لأجل تقواه  ومن يتوكل على الله فهو حسبه   أي لأجل توكله; لأن الجزاء يتعقب الشرط .  
( النوع السابع ) : تعليل عدم الحكم بوجود المانع منه ، كقوله تعالى :  ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن   ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض   ،  ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته      .  
( النوع الثامن ) : إنكاره سبحانه على من زعم أنه لم يخلق الخلق لفائدة ، ولا لحكمة بقوله أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وقوله :  أيحسب الإنسان أن يترك سدى   وقوله :  وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق      ( النوع التاسع ) : إنكاره سبحانه أن يسوي بين المختلفين ، ويفرق بين المتماثلين .  
( فالأول ) كقوله :  أفنجعل المسلمين كالمجرمين      .  
( والثاني ) كقوله : والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض .  
وقد اختلف في  اشتراط مناسبة الوصف المومإ إليه للحكم   في الأنواع السابقة ، فاشترطه   إمام الحرمين الجويني  ،   والغزالي     .  
وذهب الأكثرون إلى عدم اشتراطه .  
وذهب قوم إلى التفصيل ، فقالوا : إن كان التعليل فهم من المناسبة ، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - :  لا يقضي القاضي وهو غضبان  اشترط ، وأما غيره فلا يشترط ،      [ ص: 622 ] واختاره   ابن الحاجب     .  
وحكى  الهندي  تفصيلا ، وهو اشتراطه في ترتيب الحكم على الاسم دون غيره ، وحكى  ابن المنير  تفصيلا آخر ، وهو إن كان الاسم المشتق يتناول معهودا معينا ، فلا يتعين للتعليل ، ولو كان مناسبا ، بل يحتمل أن يكون تعريفا ، وأما إذا علق بعام أو منكر فهو تعليل .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					