[ ص: 49 ] المسألة السادسة
الذين اتفقوا على امتناع تأخير البيان إلى وقت الحاجة ، اختلفوا في جواز إسماع الله تعالى للمكلف العام دون إسماعه للدليل المخصص له .
[1] فذهب الجبائي وأبو الهذيل [2] إلى امتناع ذلك في الدليل المخصص السمعي ، وأجاز أن يسمعه العام المخصص بدليل العقل ، وإن لم يعلم السامع دلالته على التخصيص .
وذهب أبو هاشم والنظام وأبو الحسين البصري إلى جواز إسماع العام من لم يعرف الدليل المخصص له ، سواء كان المخصص سمعيا أو عقليا .
وهو الحق لوجهين :
الأول : أنا قد بينا جواز تأخير المخصص عن الخطاب إذا كان سمعيا ، مع أن عدم سماعه لعدمه في نفسه أتم من عدم سماعه مع وجوده في نفسه .
فإذا جاز تأخير المخصص ، فجواز تأخير إسماعه مع وجوده أولى .
الثاني : هو أن وقوع ذلك يدل على جوازه ، ودليله إسماع فاطمة قوله تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) مع أنها لم تسمع بقوله : " " إلا بعد حين . نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة
وكذلك أسمعت الصحابة قوله تعالى ( فاقتلوا المشركين ) ولم يسمع أكثرهم الدليل المخصص للمجوس وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - ( ) إلا بعد حين ، إلى وقائع كثيرة غير محصورة . سنوا بهم سنة أهل الكتاب
وكل ما يتشبث به الخصوم في المنع من ذلك فغير خارج عما ذكرناه لهم من الشبه المتقدمة ، وجوابها ما سبق مع أنه منتقض بجواز إسماعه العام مع عدم معرفته بالدليل المخصص ، إذا كان عقليا .