الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          وأما المسائل فثمان : [ ص: 27 ] المسألة الأولى

          مذهب الأكثرين أن الفعل يكون بيانا ، خلافا لطائفة شاذة .

          ويدل على ذلك النقل والعقل ، أما النقل : فما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عرف الصلاة والحج بفعله حيث قال : " صلوا كما رأيتموني أصلي " ، " وخذوا عني مناسككم " .

          وأما العقل : فهو أن الإجماع منعقد على كون القول بيانا ، والإتيان بأفعال الصلاة والحج ؛ لكونها مشاهدة أدل على معرفة تفصيلها من الإخبار عنها بالقول ، فإنه ( ليس الخبر كالمعاينة ) [1] ولهذا كانت مشاهدة زيد في الدار أدل على معرفة كونه فيها من الإخبار عنه بذلك .

          وإذا كان القول بيانا ، مع قصوره في الدلالة عن الفعل المشاهد ، فكون الفعل بيانا أولى .

          فإن قيل : أما النقل فالبيان فيه إنما وقع بالقول لا بالفعل ، وهو قوله : " صلوا كما رأيتموني أصلي ، وخذوا عني مناسككم " ، وأما المعقول : فهو أن الفعل وإن كان مشاهدا غير أن زمان البيان به مما يطول ، ويلزم من ذلك تأخير البيان مع إمكانه بما هو أفضى إليه ، وهو القول ، وذلك ممتنع .

          قلنا : أما القول بأن البيان إنما حصل بالقول ليس كذلك ، فإنه لم يتضمن تعريف شيء من أفعال الصلاة والحج ، بل غايته تعريف أن الفعل هو البيان لذلك .

          وأما القول بأن البيان بالفعل مما يفضي إلى تأخير البيان مع إمكان تقدمه فهو غير مسلم ، بل التعريف بالقول . وذكر كل فعل بصفته وهيئته ، وما يتعلق به أبعد عن التشبث بالذهن من الفعل المشاهد ، وربما احتيج في ذلك إلى تكرير في أزمنة تزيد على زمان وقوع ( الفعل ) بأزمنة كثيرة ، على ما يشهد به العرف والعادة .

          وإن سلمنا أن زمان التعريف بالفعل يكون أطول ، فليس في ذلك ما يدل على كونه غير صالح للبيان والتعريف ، والخلاف إنما هو في ذلك ، وقد بينا أنه مع صلاحيته للتعريف أدل من القول .

          [ ص: 28 ] قولهم : إنه يفضي إلى تأخير البيان ، مع إمكان تقديمه بالقول .

          قلنا : لا يخلو إما أن لا تكون الحاجة قد دعت إلى البيان في الحال ، أو دعت إليه : فإن كان الأول ، فلا محذور في التأخير مع حصول البيان بما هو أدل من القول ، وإن كان الثاني ، فلا نسلم امتناع التأخير على قولنا بجواز التكليف بما لا يطاق على ما قررناه .

          وبتقدير امتناعه فإنما نسلم ذلك فيما إذا كان التأخير لا لفائدة ، وأما إذا كان لفائدة فلا .

          وقد بينا الفائدة في البيان بالفعل من جهة كونه أدل على المقصود .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية