الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          المسألة الثانية

          اتفقوا على صحة الإيماء فيما إذا كان حكم الوصف المومأ إليه مدلولا عليه بصريح اللفظ كالأمثلة السابق ذكرها .

          وأما إذا كان اللفظ يدل على الوصف بصريحه والحكم مستنبط غير مصرح به كما في قوله تعالى : ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) فإن اللفظ بصريحه يدل على الحل والصحة مستنبطة منه .

          ووجه استنباط الصحة منه أنه لو لم يكن البيع صحيحا لم يكن مثمرا ; إذ هو معنى نفي الصحة ، وإذا لم يكن مثمرا مفيدا كان تعاطيه عبثا ، والعبث مكروه والمكروه لا يحل ، وعند ذلك فيلزم من الحل الصحة لتعذر الحل مع انتفاء الصحة .

          وهذا [1] مما اختلف في كونه مومأ إليه ، فذهب قوم إلى امتناع الإيماء تمسكا منهم بأن الإيماء إنما يتحقق إذا دل اللفظ بوضعه على الوصف والحكم كما سبق من الأمثلة .

          وأما إذا دل على الوصف بالوضع وكان الحكم مستنبطا منه ، فلا يدل ذلك على كونه مومأ إليه ، كما إذا دل اللفظ على الحكم بوضعه وكان الوصف مستنبطا منه ، فإنه لا يدل على الإيماء إلى الوصف ، وذلك كما في قوله - عليه السلام - : " حرمت الخمرة لعينها " [2] فإنه يدل على الحكم وهو التحريم وضعا ، والشدة المطربة علة مستنبطة منه وليست مومأ إليها .

          [ ص: 263 ] وذهب المحققون إلى كونه مومأ إليه وهو الحق .

          وذلك لأنه إذا كان اللفظ بصريحه يدل على الوصف وهو الحل ، والصحة لازمة له لما تقرر ، فإثبات الحل وضعا يدل على إرادة ثبوت الصحة ضرورة كونها لازمة للحل فيكون ثابتا بإثبات الشارع له مع وصف الحل ، وإثبات الشارع للحكم مقترنا بذكر وصف مناسب دليل الإيماء إلى الوصف ، كما لو ذكر معه الحكم بلفظ يدل عليه وضعا ضرورة تساويهما في الثبوت ، وإن اختلفا في طريق الثبوت بأن كان أحدهما ثابتا بدلالة اللفظ وضعا ، والآخر مستنبطا من مدلول اللفظ وضعا ; لأن الإيماء إنما كان مستفادا عند ذكر الحكم والوصف بطريق الوضع من جهة اقتران الحكم بالوصف لا من جهة كون الحكم ثابتا بطريق الوضع ، وهذا بخلاف ما إذا كان الحكم مدلولا عليه وضعا والوصف مستنبط منه ، وذلك لأن الوصف المستنبط من الحكم المصرح به كما في المثال المذكور لم يكن وجوده لازما من الحكم المصرح به ، ولا مناسبته لتحققه قبل شرع الحكم بخلاف الصحة مع الحل كما تقدم تحقيقه .

          والمعتبر في الإيماء أن يكون الوصف المومأ إليه مذكورا في كلام الشارع مع الحكم أو لازما من مدلول كلامه [3] ، والأمران مفقودان في الوصف المستنبط بخلاف الحل مع الصحة .









          [4]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية