الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإحكام في أصول الأحكام

          الآمدي - علي بن محمد الآمدي

          المسألة الخامسة عشرة

          اتفق الكل على جواز النسخ بفحوى الخطاب كدلالة قوله تعالى : ( فلا تقل لهما أف ) على تحريم الضرب وغيره من أنواع الأذى ، وعلى جواز نسخ حكمه ، وإنما اختلفوا في جواز نسخ الأصل دون الفحوى والفحوى دون الأصل .

          غير أن الأكثر على أن نسخ الأصل يفيد نسخ الفحوى ; لأن الفحوى تابع للأصل ولا يتصور بقاء التابع مع ارتفاع المتبوع .

          وأما نسخ الفحوى دون الأصل ، فقد تردد فيه قول القاضي عبد الجبار فجوزه تارة ; نظرا إلى أن ذلك جار مجرى التنصيص على تحريم التأفيف ، وتحريم [ ص: 166 ] الضرب العنيف ، فكأنه قال : لا تقل لهما أف ولا تضربهما . فرفع حكم أحدهما يفيد رفع حكم الآخر ، ومنع منه تارة ، ووافقه على المنع أبو الحسين البصري مصيرا منهما إلى أن تحريم التأفيف إنما كان إعظاما للوالدين ، فإذا أبيح ضربهما كان ذلك نقضا للغرض من تحريم التأفيف .

          والمختار في ذلك أن يقال : إثبات تحريم الضرب في محل السكوت ، إما أن يقال : إنه ثابت بالقياس على تحريم التأفيف في محل النطق ، أو أنه ثابت بدلالة اللفظ لغة على اختلاف المذاهب فيه .

          فإن كان الأول : فيجب أن يقال بأن نسخ حكم الأصل يوجب رفع حكم الفرع ; لاستحالة بقاء الفرع دون أصله ، وإن لم يسم ذلك نسخا لما سبق ، وأن رفع حكم الفرع لا يوجب رفع حكم الأصل ; إذ لا يلزم من رفع التابع رفع المتبوع .

          وإن كان الثاني : فلا يخفى أن دلالة اللفظ على تحريم التأفيف بجهة صريح اللفظ ، وعلى تحريم الضرب بجهة الفحوى ، وهما دلالتان مختلفتان ، غير أن دلالة الفحوى تابعة لدلالة المنطوق ، وعند ذلك أمكن أن يقال بأن رفع حكم إحدى الدلالتين لا يلزم منه رفع حكم الدلالة الأخرى .

          فإن قيل : فإذا كانت دلالة الفحوى تابعة لدلالة المنطوق فرفع الأصل مما يمتنع معه بقاء التابع .

          وأيضا فإن الغرض من دلالة المنطوق إعظام الوالدين ، فرفع حكم الفحوى مما يخل بالغرض من دلالة المنطوق فيمتنع معه بقاء حكم المنطوق .

          قلنا : أما الأول فمندفع ، وذلك لأن دلالة الفحوى وإن كانت تابعة لدلالة المنطوق فنسخ حكم المنطوق ليس نسخا لدلالته بل نسخا لحكمه ، ودلالة الفحوى تابعة لدلالة المنطوق على حكمه لا أنها تابعة لحكمه ، ودلالته باقية بعد نسخ حكمه كما كانت قبل نسخه ، فما هو أصل لدلالة الفحوى غير مرتفع ، وما هو المرتفع ليس أصلا للفحوى .

          وأما الثاني : فغاية ما يلزم من نسخ حكم الفحوى إبطال الغرض من أصل إثبات الحكم فيه ، ولا يخفى أن غرض إثبات التحريم للتأفيف مغاير لغرض تخصيصه بالذكر تنبيها بالأدنى على الأعلى ، ولا يلزم من إبطال أحد الغرضين إبطال الغرض الآخر .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية