[ 4378 ] أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد أخبرنا حدثنا أبو سهل بن زياد القطان ، حدثنا بشر بن موسى ، محمد بن الفضل بن صالح ، حدثنا عن حسين الجعفي ، محمد بن أبي إسماعيل قال : كنا نجالس فإذا أراد أن يقوم اعتمد على يديه وقال : " اللهم اجمع على الهدى أمرنا ، واجعل التقوى زادنا ، والجنة مآبنا ، وارزقنا شكرا يرضيك عنا ، وورعا يحجزنا عن معاصيك ، وخلقا نعيش به في الناس ، وعقلا ينفعنا به " ، قال : فكان إذا قال : وعقلا ينفعنا به يأخذني الضحك فيقول : " من أي شيء تضحك يا منصور بن المعتمر ابن أبي إسماعيل ؟ قال إن الرجل ليكون عنده ويكون عنده ولا يكون له عقل فلا يكون عنده شيء " .
قال الحليمي : فإن فيها الدليل عليه وعلى قدرته وعلمه وحكمته ووحدانيته ، وقد نبه الله تعالى على ذلك في غير موضع من كتابه ، فإنه - تبارك وتعالى - امتن علينا بأن جعل لنا السمع والأبصار والأفئدة بعد أن أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا ، فذكر بعض الآيات التي وردت في ذلك ثم قال وقال في آية أخرى : ( " ومن أعظم فوائد نعم الله - تعالى جده - الاستدلال بها على المنعم ، وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) فكان [ ص: 384 ] معنى ذلك في أنفسكم دلالات الحدث ، وهي الأحوال المتقلبة بهم من حيث لم ينفكوا عنها ، فإن تلك الأحوال إذا كانت أحداثا ولم يكونوا خلوا منها قط فواجب أن يعلموا أنهم أحداث ، والحدث لا يخلو من محدث .
وقيل : معنى ذلك أنكم تعلمون من أنفسكم لم تكونوا ثم كنتم ، فلا يخلو أحدكم من أن يكون هو الذي خلق نفسه ، أو أبواه خلقاه أو غيره وغيرهما ، فلا يمكن أن يكون خلق نفسه ؛ لأنه لو شاء بعدما تمت قواه وكمل عقله أن يتم من نفسه عضوا ناقصا لم يقدر عليه ، فوجب أن يعلم أنه إذا كان نطفة مواتا من أن يقلب نفسه حالا فحالا أبعد وعنه أعجز ، ثم يعلم أنه إذا كان موجودا غير أنه ضعيف أو موات لا يقدر من أمره على شيء فهو إذا كان عدما من بعد ذلك أبعد ، ولا يمكن أن يكون أبواه فعلاه ، لأن الأبوين في العجز الذي ذكرنا مثله ، فإذا استحال أن يكون فعلا لنفسه واستحال أن يكون فعلا لأبويه ، فحق إذا أنه فعل فاعل غيره وغير أبويه ، وإنما يراد الله بذلك الفاعل أفلا تبصرون ألا تدركون بعقولكم ما فيها من هذه الهداية فتهتدوا ولا تكفروا .
فإن قال قائل : إن الفاعل هو الطبع قيل له : وما الطبع ؟ فإن هذا الاسم نفسه يدل على أن للمسمى به فاعلا لأن الطبع لا يكون إلا فعل الطابع كما لا يكون الضرب إلا فعل الضارب فإن الطبيعة هي المطبوعة كما أن القتيلة هي المقتولة ، والذبيحة هي المذبوحة ، والصنيعة هي المصنوعة ، والمفعول في اقتضاء الفعل كالفعل وإن قالوا : الطبيعة قوة مخصوصة فذكروها ونعتوها قيل لهم : القوة عرض لا بقاء له فيستحيل أن يؤلف الأجسام كما يستحيل على اللون أن يفعل ذلك وعلى الصوت والطعم لأن خلق الإنسان فعل سديد متقن فلا يمكن أن يكون صدر إلا من عالم حكيم ، والقوة لا تليق بها الحياة ولا القدرة ولا العلم ولا الحكمة ، فأنى يمكن أن يكون الخلق وقع منها ، وإن وصفوا الطبيعة بهذه الصفات كانوا مشيرين بمن هي له إلى الباري ، إلا أنهم يلحدون في اسمه فيسمون به غيره ويثبتونه وعنده أنهم ينفونه ، وهذا نهاية الجهل فيقال لهم ما قال الله - جل وعز - ( أفلا تبصرون ) أي لا عقول لكم تدركون بها خطأ هذا القول وفساده فترجعوا عنه إلى ما يصح ويسلم على النظر ، وبالله التوفيق . [ ص: 385 ]
وقد ذكر الله تعالى في كتابه ما جعل للناس من نعمه ، وإنه إن نزع عنهم تلك النعم أو نزع بعضها فمن إله غير الله يأتيهم بها وفي ذلك دلالة على نفي الشرك ، وبالله التوفيق " .