( 4021 ) فصل : وإذا ، ففيه وجهان ; أحدهما ، للشفيع الأخذ بالشفعة . وهو قول أقر البائع بالبيع ، وأنكر المشتري ، أبي حنيفة . والثاني ، ليس له الأخذ بها . ونصره والمزني الشريف أبو جعفر في " مسائله " . وهو قول ، مالك ; لأن الشفعة فرع للبيع ، ولم يثبت فلا يثبت فرعه ، ولأن الشفيع إنما يأخذ الشقص من المشتري ، وإذا أنكر البيع لم يمكن الأخذ منه . وابن شريح
ووجه الأول ، أن البائع أقر بحقين ; حق للشفيع ، وحق للمشتري ، فإذا سقط حق المشتري بإنكاره ، ثبت حق الشفيع ، كما لو أقر بدار لرجلين ، فأنكر أحدهما ، ولأنه أقر للشفيع أنه مستحق لأخذ هذه الدار ، والشفيع يدعي ذلك ، فوجب قبوله ، كما لو أقر أنها ملكه . فعلى هذا يقبض الشفيع من البائع ، ويسلم إليه الثمن ، ويكون درك الشفيع على البائع ، لأن القبض منه ، ولم يثبت الشراء في حق المشتري . وليس للشفيع ولا للبائع محاكمة المشتري ; ليثبت البيع في حقه ، وتكون العهدة عليه ; لأن مقصود البائع الثمن ، وقد حصل من الشفيع ، ومقصود الشفيع أخذ الشقص وضمان العهدة ، وقد حصل من البائع ، فلا فائدة في المحاكمة .
فإن قيل : أليس لو ادعى على رجل دينا ، فقال آخر : أنا أدفع إليك الدين الذي تدعيه ، ولا تخاصمه . لا يلزمه قبوله ، فهل لا قلتم هاهنا كذلك ؟ قلنا : في الدين عليه منة في قبوله من غير غريمه ، وها هنا بخلافه ، ولأن البائع يدعي أن الثمن الذي يدفعه الشفيع حق للمشتري عوضا عن هذا المبيع ، فصار كالنائب عن المشتري في دفع الثمن ، والبائع كالنائب عنه في دفع الشقص ، بخلاف الدين ، فإن كان البائع مقرا بقبض الثمن من المشتري ، بقي الثمن الذي على الشفيع لا يدعيه أحد ; لأن البائع يقول : هو للمشتري . والمشتري يقول : لا أستحقه . ففيه ثلاثة أوجه ; أحدها ، أن يقال للمشتري : إما أن تقبضه ، وإما أن تبرئ منه . والثاني ، يأخذه الحاكم عنده . والثالث ، يبقى في ذمة الشفيع . وفي جميع ذلك متى ادعاه البائع أو المشتري ، دفع إليه ; لأنه لأحدهما .
وإن تداعياه جميعا ، فأقر المشتري بالبيع ، وأنكر البائع قبض الثمن ، فهو للمشتري ; لأن البائع قد أقر له به ، ولأن البائع إذا أنكر القبض ، لم يكن مدعيا لهذا الثمن ; لأن البائع لا يستحق على الشفيع ثمنا ، إنما يستحقه على المشتري ، وقد أقر بالقبض منه ، وأما المشتري فإنه يدعيه ، وقد أقر له باستحقاقه ، فوجب دفعه إليه .