1- الندية والتكافؤ:
إن التواصل بين الأمم لابد أن يقوم على الشراكة الحقيقية بينها، وينبغي أن لا ينطلق من إحساس إحـداها بالتفوق والاستعلاء الحضاري وما يرتبط به من تمييز عنصري يغلب روح الهيمنة الثقافية، إذ أن مثل هذا الإحساس لا يمكن أن يؤدي إلى تحقيق أهداف التواصل وغاياته، فنكون أمام عمل لا طائل منه. وهذا يعني أن يكون التعامل متكافئا، تتوفر فيه شروط المساواة والإرادة المشتركة، بحيث تتعدد مستوياته ليكون شاملا، يدور مع مختلف الشرائح والفئات، سواء على المستوى الحكومي أو على مستوى [ ص: 55 ] المؤسسات الأهلية والاجتماعية المعنية، وبذلك تتحقق المصالح المشتركة للأطراف المعنية
[1] .
ويترتب على الندية تحقيق التكافؤ، بمعنى أن يقف كل طرف إلى جانب الآخر، لا خلفه، بناء على ما يملكه كل واحد من مكانة حضارية وليس بناء ما بلغه من مستوى حضاري. فالمكانة تشير إلى الأهلية الحضارية وهي قاعدة كل فعل حضاري. ولا يمكن أن يتحقق الإنجاز الحضاري بدونها. وعليه، فإن التكافؤ يقاس بمقدار ما قدمته حضارة ما للأمم الأخرى من منجزات بالغة الأهمية، لما لها من إسهامات قيمة في تنمية وتطوير الوجود الإنساني وإمداده بالقيم الروحية [2] .
لكن التكافؤ بالنسبة للعرب والمسلمين يعتمد على استعادة الوعي بالـذات الحضارية، وبـذل كل جهـد ممـكن لتحقيق النهوض الحضاري. ثم مواجهة إشكالية الاتجاهات الفكرية المتعددة من خلال إدراك طبيعة المرحلة الراهنة بكل متطلباتها. إن معرفة الذات هي المدخل الطبيعي لتقديم المعلومات عنها للآخر، وبدون ذلك لا يمكن أن يتحقق التكافؤ.
فالأنمـوذج الحضـاري العـالمي لابد أن يقوم على منظور جمعي، وليس منظـور فردي النزعـة، إنه لا يصـدر من سلطـة عليا وإنما من [ ص: 56 ] الجميـع على أساس ديمقراطية المشاركة. فالأمر يتعلق بما تصبو إليه المجتمعات البشرية في ضوء القاسم المشترك بين تطلعاتـها إلى تطـوير حياتها نحو الأفضل [3] .