الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
2- تباين مستوى الحضارات:

إن نمو الحضارة لا يتم بصورة أوتوماتيكية، ويتأكد ذلك إذا عرفنا أن عدة حضارات توقفت عند حد معين في مجرى حياتها، وذلك عندما واجهت أول تحد حقيقي. وبمقدار الرد عليه فإن حياة المجتمع تستمر بالازدهار. فحين يكون رد الأمة أعظم من التحديات، التي تواجهها ترتفع حضارتها إلى مستويات عليا في سلم الارتقاء الحضاري. أما إذا كانت تلك التحديات أكبر من الرد عليها، فإن الحضارة تتراجع ليس بفعل قوة خارجية، وإنما بسبب فساد المجتمع من الداخل، فالحضارتين الإغريقية والرومانية توقفتا؛ لأنهما لم تكونا قادرتين على النمو والتطور [1] .

ولذلك لابد من التـأكيد على تباين الحضارات، وذلك لأن كل واحـدة منها هي نتيـجة معطيـات معينـة في المـكان والزمـان، وهي تمثل نمطا ثقافيا معينا، تؤدي من خلاله دورا تاريخيا. و قد قسم "دانيلفسكي Danylveski" شعوب العالم إلى ثلاث مجموعات وفقا للـدور، الذي تلعبه على المستوى الحضاري: الأولى تضم القوى الخلاقة، التي أبدعت حضـارات عريقة وراسخـة، أمـا الثانيـة فتمثـل الشعوب، التي لعبت دورا هـداما في هـذا المضمار، والثالثة تضـم تلك الشعوب، [ ص: 75 ] التي لم تبلغ مستوى النضج الحضاري، الذي بلغته المجموعتان السابقتان، وتكون بالتالي خاضعة لقوى خارجية [2] .

ولا يختلف الأمر بالنسبة لـ"توفلر Toffler" الذي تصور أنه يوجد في العالم ثلاث حضارات متباينة ومتمايزة، ومتعادية. حضارة الموجة الأولى وهي نتاج ثورة زراعية مرتبطة بالأرض. وحضارة الموجة الثانية وهي نتاج ثورة صناعية وتجارية مرتبطة بالمصانع. وأخيرا حضارة الموجة الثالثة وهي نتاج المعرفة، وترتبط بصورة أساسية بالحاسوب، وهذه الحضارات الثلاث هي بطبيعة الحال ليست متساوية [3] .

إن التعـدد الحضـاري يقتـضى بالضرورة تعدد طرق ومشاريع النهوض والتقـدم، لاسيما وأن كل واحد منها يجسد المعطيات الخاصة بالأمة ومكوناتـها القيمية، والتـراثية، والاجتماعية والثقافية، كما يلبي طموحاتها وتطلعاتها نحو التقدم. ومـن ثـم فإننا نرى أنه من الخطأ القول: إن للتطـور الإنسـاني طريقا واحدا لابد من السير فيه، وإن الحضارة المعـاصرة حضـارة عالميـة يتعين فـرض وتعميم قيمها ومبادئها على مختلف الأمم [4] . [ ص: 76 ]

وبهذا التحديد يكون التمايز بين الحضارات أمرا طبيعيا، لا يؤثر في ذلك بطبيعة الحال التأثير المتبادل فيما بينها، طالما أنه لا يعكس حالة من الهيمنة. لاسيما وأن الحضارة الأدنى يمكن أن تصل إلى لحظة تصحو فيها وتصبح فيها راغبة وقادرة على النهوض، وبالتالي رفض الخضوع لغيرها من الحضارات الأخرى.

التالي السابق


الخدمات العلمية