الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ج- حركة الحضارة:

تناول أكثر من مؤرخ مسألة حركة الحضارة، ومن أشهرهم من الغرب "أرنولد توينبي Arnold Toynbee"، ومن العرب عبد الرحمن بن خلدون ومالك بن نبي. ومع أن هؤلاء المفكرين يتفقون حـول فكرة مرور الحضارة في دورة معينة، إلا أن الأخير تجاوز سابقيه في بعض التفصيلات، ولذلك أكتفي بالإشارة هنا إلى تصوراته في هذا الخصوص.

يعتبر "مالك بن نبي" أن للحضارة دورة كاملة تتكون أساسا من ثلاث مراحـل. في الأولى تكون النشـأة بميـلاد فـكرة ساميـة، يتحمس لها مناصروها، وهم في أوج عطائهم الوجداني. وفي الثانية يكون إعمال العقل فتنمـو العـلوم ويزدهر الإنتاج المـادي بالعمل والجـد وتتحقق الوفرة. وفي الأخيرة تبرز نزعة الشهوة الجسدية والغرائز الطبيعية، فتدخل الأمة مرحلة الاستهلاك المحض لمنجزاتها الحضارية ويكون الهرم والعجز عن الإصلاح والنهوض [1] .

والفكرة السامية هي عادة فكرة دينية أو ما يشبهها، ويرى "ابن نبي" أن الحضارة تسير بالمجتمع، قوة وضعفا، صعودا وهبوطا، تبعا لدرجة تمحوره حول الأفكار، أو حول الأشياء المحيطة به، فدورة الحضارة تبدأ حينما تؤثر [ ص: 33 ] فكرة دينية أو بديلاتها في النفوس، وينتهي تأثيرها حين تفقد الروح هيمنتها على غرائز مكبوحة الجماح. وسقوط الحضارة في أرض معينة يعني انتقال شمسها إلى أرض أخرى [2] .

ولا يتفق "ابن نبي" مع ابن خلدون في حتمية موت الحضارة، لأنه يرى أنها لا تموت وإنما تغط في سبات عميق، وأن استيقاظها من نومها وسيرها في طريق النهضة هو أمر ممكن لكنه رهين بشروط نفسية وزمنية معينة إذا توفرت وتكاملت انطلقت من جديد، وفي مقدمتها الالتزام بالفكرة الدينية بأسسها العقيدية والإيمانية، لما توفره للحضارة من قدرة على تجديد حركتها واستعادة كيانها [3] . وهي سواء في مرحلة ازدهارها، أو نهضتها، قد تتواصل مع غيرها في اتجاه التكامل الحضاري. [ ص: 34 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية