الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
2- أزمة الحضارات الأخرى:

إذا تركنا جانبا الحضارتين اليابانية والصينية، اللتين استطاعتا النهوض والتطور من خلال الارتكاز على إمكانيات الأمتين اليابانية والصينية، نجد أن الحضارات الشرقية الأخرى تعاني من أزمات حقيقية. ولا يختلف الأمر بالنسبـة لحضارة أمريـكا اللاتينية والحضـارة الأفريقية، ولذلك ليس غريبا ألا يرى فيها الغرب أي خطر.

غير أن الشعور الإسلامي بالتفاوت مع الغرب، في المجال التقني، وفي التطور المذهل في مجالات الاتصال وما يرتبط به من تغير متسارع في أنماط القيم والاتجاهات، قد وضع العالم الإسلامي المعاصر أمام تحد حقيقي، لابد أن يحدد بشكل دقيق ماهية الاحتكاك الحضاري في المستقبل.

فالحضارة الإسلامية تعاني، رغم تباشير الصحوة والنهوض، من أزمة حقيقية، حيث يتنازع المجتمعات الإسلامية اتجاهان بارزان، أحدهما تجسده قوى اجتماعية تؤمن بالاعتماد على المرجعية الحضارية، والآخر تجسده قوى اجتماعية أخرى ذات توجهات غربية [1] .

فالاتجاه الأول، وهو اتجاه متنام، وبشكل خاص في المجتمعات العربية والقوقازية والتركية، يرفض القيم العلمانية والتوجهات الغربية عموما، ويركز [ ص: 53 ] على الرؤى والطروحات ذات المرجعيات الإسلامية، حيث الحل الفصل في القضايا المصيرية الأكثر حساسية. وهو لذلك يتمسك بالتراث والتاريخ والحضارة، ويبدي مقاومة وتمنعا إزاء قيم وأخلاقيات الحضارة الغربية.

بينما الاتجاه الثاني يبرز في القوى الاجتماعية المبهورة بالحداثة الغربية وترتكز عليها في بناء حاضرها وفي تطلعاتها المستقبلية، فإنه يقوم على تبني القيم الغربية، ويعتمد نهج الحداثة والتغريب، ودعاته يتلقفون كل ما هو غربي باعتباره المدخل الحقيقي للتطور والتقدم.

لقد كانت قوة الحضارة الإسلامية تكمن في المرجعية الدينية الثابتة والتمدد الجغرافي والانتشار السكاني. ولابد من التفكير في هذه الجوانب لتحقيق النهوض الحضاري. لكن علينا أن نتذكر أن الانقسام المجتمعي بين الاتجاهين السابقين يمثل تحد خطير لهذا الهدف. ولتجاوز ذلك لابد من التقاء أتباع هذين الاتجاهين حول ضرورة البحث عن صيغة مناسبة لوضع مشروع شامل.

غير أن التوافق داخل مجموعة الدول الإسلامية غير قائم، وليس من المتوقع أن يتحقق في المدى المنظور، لاسيما في ظل غياب الدولة المركزية القادرة على القيادة وتقديم الأنموذج. ونحن نتذكر فيما يتعلق بهذه المسألة حالنا عندما تجسد هذا الأنموذج في زمن الدولة الإسلامية، بدءا بعهد الخلافة الراشدة مرورا بالدولة الأموية، والعباسية، والأندلسية وأخيرا العثمانية أيام ازدهارها. [ ص: 54 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية