وإذا فللطالب أن يأخذ به أيهما شاء وبمطالبة أحدهما لا يسقط حقه في مطالبة الآخر بخلاف الغاصب مع غاصب الغاصب وقد بينا نوع فرق بينهما . ونوع آخر وهو أن هناك الحق قبل أحدهما فيعين من عليه الحق [ ص: 29 ] باختياره وهنا أصل الدين بعد الكفالة على الأصيل كما كان قبله . كفل الرجل عن رجل بمال
( ألا ترى ) أنه يكتب في الصكوك : لفلان على فلان كذا وفلان به كفيل وموجب الكفالة : زيادة الحق للطالب في المطالبة . وإنما يتحقق ذلك إذا توجهت المطالبة له عليهما ، فلا تكون مطالبة أحدهما مسقطة حقه في مطالبته الآخر فإذا أخذ الكفيل به كان للكفيل أن يأخذ المكفول به فيعامله بحسب ما يعامل ، وليس له أن يأخذ المال من الأصيل حتى يؤديه ; لأنه قبل الأداء مقرض للذمة فلا يرجع بالمال حتى يؤديه فحينئذ يصير به متملكا ما في ذمة الأصيل ولكن إن قضاه الأصيل فهو جائز ; لأن أصل الوجوب ثبت للكفيل على الأصيل ، وإن كان حق الاستيفاء متأخرا إلى أدائه - وتعجل الدين المؤجل صحيح - فإذا قبضه الكفيل وتصرف فيه ; كان ما ربح حلالا له ; لأنه ملك المقبوض ملكا صحيحا فالربح الحاصل لديه يكون له ولو هلك منه كان ضامنا ; لأنه قبضه على وجه اقتضاء الدين الذي له على الأصيل ، وعلى وجه الاقتضاء يكون مضمونا على المقتضي ولو اقتضاه الطالب من الذي عليه وهو الأصيل ; فله أن يرجع على الكفيل بما أعطاه لأنه إنما أعطاه ذلك ليسلم له به ما في ذمته بأن يؤديه الكفيل عنه فإذا لم يسلم له ; كان له أن يرجع عليه بما أعطاه ، ولو لم يكن دفعه إلى الكفيل في الابتداء على طريق القضاء ، ولكن قال : أنت رسولي بها إلى فلان الطالب فهلك من الكفيل ; كان مؤتمنا في ذلك ; لأنه استعمله حين بعث بالمال على يده إلى الطالب ولو استعمل في ذلك غيره كان أمينا فيه فكذلك إذا استعمل الكفيل حتى إذا أداه المطلوب إلى الطالب بعد ذلك ; لا يرجع على الكفيل بشيء ، وإن أدى الكفيل إلى الطالب رجع به على الأصيل . فهلاك الأمانة في يده كهلاكها في يد صاحبها . ولو لم يهلك منه ولكنه عمل به وربح أو وضع كانت الوضيعة عليه ; لأنه مخالف بما صنع . والربح له يتصدق به في قول أبي حنيفة - رحمهما الله - . وفي قول ومحمد - رحمه الله - يطيب له بمنزلة أبي يوسف . المودع إذا تصرف في الوديعة وربح
; فهذا والأول سواء . ولو أعطاه الطعام اقتضاء عما كفل به فباعه وربح فيه فإن ولو كان الدين طعاما فأرسل به الأصيل مع الكفيل إلى الطالب فتصرف فيه الكفيل فربح - رحمه الله - يقول : الربح له ولو تصدق به كان أحب إلي وعلى قول أبا حنيفة أبي يوسف - رحمهما الله - يطيب له الربح . فالحاصل أن الكفيل إن قضى الطالب طعامه ; فالربح يطيب له ; لأنه استربح على ملك صحيح له . وإن قضى المطلوب طعامه حتى رجع على الكفيل بالطعام الذي أعطاه فالربح يطيب للكفيل في رواية كتاب البيوع ; لأن أصل ملكه كان صحيحا فبأن وجب عليه الرد بعد [ ص: 30 ] ذلك لا يمكن خبث في الربح ، وفي الجامع الصغير يقول : يرد الأصل ، والربح على الأصيل عند ومحمد - رحمه الله - ; لأنه إنما رضي بتسليمه إليه بشرط ولم يسلم له ذلك الشرط ولكن مراده : أن يفتي برد الربح عليه من غير أن يجبر عليه في الحكم . وهنا قال : يتصدق بالربح ; لأنه يمكن فيه نوع خبث حين كان قبضه بشرط ولم يسلم ذلك الشرط للمعطي فيؤمر بالتصدق به على سبيل الفتوى بخلاف ما تقدم من الدراهم ; فإنها لا تتعين في العقد فلم يكن ربحه حاصلا على عين المال المقبوض . فأما الطعام يتعين ; فإنما ربح على غير المقبوض فيتمكن فيه الخبث من هذا الوجه . أبي حنيفة