وإذا فإن القاضي يخرجه من السجن ويجمع بينه وبين هذا المدعي فإن أقر له بالدين أو قامت له عليه بينة ; كتب اسمه فيمن حبس له مع الأول ; لأنه لو لم يكتب ربما يشتبه على القاضي أنه محبوس بدين واحد فيخلي سبيله فيكتبه حتى لا يخلي سبيله إلا بقضائهما ، وإن كان القاضي قد فلس المحبوس ; جاز إقراره لأشخاص في قول حبس رجل بدين فجاء غريم له آخر يطالبه أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - ثم رجع أبو يوسف - رحمه الله - وقال : تفليس القاضي إياه جائز ولا يجوز إقراره بعد ذلك ولا بيعه ولا شراؤه ولا بشيء يضيفه في ماله ما خلا العتق والطلاق والنكاح والإقرار بالسبب فإنا ندع القياس فيه ونجوزه وهو قول - رحمه الله - وقول محمد شريح وإبراهيم - رحمهما الله - ويعني بالتفليس أن يحكم بعجزه عن الكسب فيجعله كالمريض مرض الموت فيحكم بتعلق حق غرمائه في مال هذا . [ ص: 90 ] وهذا نوع حجر ، وإن كان وابن أبي ليلى - رحمه الله - لا يرى ذلك أبو حنيفة وهما يجوزان ذلك وليس الحبس بتفليس ; لأنه دلالة القدرة على أداء الدين لا دلالة العجز ولا يضرب المحبوس في الدين ولا يقيد ولا يقام ولا يؤاجر لأن هذه عقوبات زائدة ما ورد الشرع بها ، وإنما قلنا بالحبس ليكون حاملا له على قضاء الدين وإن كان فيه ضرب عقوبة بالنصوص ولا نص في الزيادة عليه فإنه روي عن رضي الله عنه أنه قال : ليس في هذه الأمة صفد ولا قيد ولا غل ولا تجريد والصفد ما نقيد به الأيدي . عبد الله بن مسعود
أراد بقوله : لا يقام يعني لا يؤمر بالقيام بين يدي صاحب المال إهانة له فإن ذلك مع عقوبة ولا يؤاجر من غير اختياره لأن ذلك نوع حجر عليه ولا يجوز ذلك في ماله فلأن لا يجوز في نفسه بطريق الأولى .