وإذا جاز بيعه والربح ، على ما اشترطا [ ص: 86 ] ولا يكون بيعه الجارية نقضا للمضاربة أما جواز البيع ; فلأنه مالك للجارية قادر على تسليمها ، ثم قد بينا أنه بعد ما صار المال عروضا لا يملك رب المال نقض المضاربة ومنع المضارب من التصرف ، فلا يكون بيعه نقضا للمضاربة أيضا ، بل يكون نظرا منه للمضارب ولنفسه ، فربما يخاف أن يفوته هذا المشتري لو انتظر حضور المضارب فأعانه في بيعها بخلاف الأول فإن المال ما دام نقدا في يده فهو متمكن من نقض المضاربة ، فيجعل إقدامه على الشراء نقضا للمضاربة . دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها المضارب جارية وقبضها وأخذها رب المال وباعها بغير أمر المضارب فربح فيها
يوضح الفرق أن استحقاق المضارب الربح باعتبار ضمانه الثمن بالشراء في ذمته ، فإن ربح ما لم يضمن منهي عنه ، ولهذا لم تجز المضاربة بالعروض ، فإذا كان المضارب هو المشتري فقد تأكد به سبب استحقاقه لحصة من الربح إذا ظهر ، فلا يبطل ذلك بيع رب المال الجارية ، فأما قبل الشراء فلم يتأكد سبب ثبوت الحق للمضارب في الربح إذا ظهر ، فلا يثبت ذلك بشراء رب المال ، قال : ضمن رب المال للمضارب خمسمائة درهم ، حصته من الربح على الجارية الأولى ، ولا حق له في ثمن الجارية الأخيرة ; لأن ببيع الجارية الأولى صار المال نقدا في يد رب المال ، فهو بمنزلة ما لو كان نقدا قبل شراء المضارب الجارية بالمال . باع رب المال الجارية بألفي درهم ، ثم اشترى بألفين جارية أخرى فباعها بأربعة آلاف درهم
وقد بينا هناك أن عمل رب المال في المال يكون لنفسه ، ويكون نقضا للمضاربة إذا عمل بغير أمر المضارب ، فهنا أيضا شراء الجارية الأخيرة بغير أمره لنفسه ، وقد نقد ثمنها حصة المضارب من الربح وهو خمسمائة فيضمن له ذلك القدر ، وثمن الجارية الأخيرة كلها له ; لأنه عمل لنفسه في ماله في شرائها وبيعها .
ولو كان المضارب دفع الجارية إلى رب المال وأمره أن يبيعها ويشتري بثمنها ، ويبيع على المضاربة جاز ما صنع على المضاربة ، وما ضاع في يد رب المال من ذلك ضاع من الربح ; لأنه فيه بمنزلة أجنبي آخر استعان به المضارب في العمل ، فكما أن الأجنبي إذا استعان به المضارب يكون أمينا في المال ، وما يهلك في يده يجعل كالمالك في يد المضارب ، فكذلك رب المال ، ولو كان رب المال أخذ الجارية بغير أمر المضارب فباعها بغلام أو عرض أو شيء من المكيل والموزون يساوي ألف درهم ، وقبضها وباعها بأربعة آلاف درهم فذلك كله على المضارب ; لأن رب المال لا يتمكن من نقض المضاربة ما دام المال عروضا .
( ألا ترى ) أنه لو نهى المضارب عن التصرف لا يعمل نهيه وإن حوله المضارب من عرض إلى عرض لم يصر المال نقدا ، فكذلك لا تنتقض المضاربة بتحويل رب المال من عرض إلى عرض بغير أمر المضارب ولكنه ، فيما يباشر من التصرف بمنزلة الأجنبي يعقد [ ص: 87 ] للمضارب ، فجميع ما يحصل يكون على المضاربة ، ولو كان رب المال باع الجارية الأولى بمائتي دينار ثم اشترى بها جارية أخرى كان هذا بمنزلة بيعه لها بالدراهم ، والجارية الأخرى له دون المضارب ; لأن الدراهم والدنانير في حكم المضاربة كجنس واحد .
( ألا ترى ) أنه بعد ما نهى المضارب عن التصرف لو صار المال في يده دنانير عمل نهي رب المال حتى لا يملك أن يشتري بها عرضا بمنزلة ما لو صار المال في يده دراهم ، فكذلك هنا لما صار المال في يد رب المال دنانير انتقضت المضاربة ، بمنزلة ما لو صار دراهم ، فكان هو في شراء الجارية الأخيرة عاملا لنفسه ، والذي قلنا أن تأكيد السبب في حق المضارب بضمان الثمن بالشراء وذلك ينعدم في شراء رب المال بالدنانير ، كما ينعدم في شرائه بالدراهم بخلاف العروض ، وفي بيع المقابضة واحد من المتعاقدين لا يلتزم إلا تسليم التي من جهته سواء كان المضارب هو المباشر لهذا العقد ، أو رب المال فالتزام تسليم العين يكون بصفة واحدة ، فلهذا كان العرض المشترى بمقابلة العرض على المضارب .
ولو كانت على المضاربة يستوفي رب المال منها رأس ماله والباقي بينهما على الشرط ; لأنه في هذا التصرف خاصة معين للمضارب . لم يشتر بالدنانير جارية ولكنه اشترى بها ثلاثة آلاف درهم
( ألا ترى ) أنه بعد ما نهاه عن التصرف ، أو مات رب المال وبطلت المضاربة بموته يملك المضارب هذا التصرف ليحصل به جنس رأس المال ، فكذلك رب المال يكون معينا للمضارب في هذا التصرف ، والحاصل أن كل تصرف صار مستحقا للمضارب على وجه لا يملك رب المال منعه منه ، فرب المال في ذلك يكون معينا له سواء باشره بأمره أو بغير أمره ، وكل تصرف يتمكن رب المال أن يمنع المضارب منه فهو في ذلك التصرف بغير أمر المضارب عامل لنفسه إلا أن يكون بأمر المضارب فحينئذ يكون معينا له .