( وله ) أي ( منها كون الثمن حالا ) عند الرجوع ولو [ ص: 339 ] مؤجلا قبله فلا رجوع فيما كان مؤجلا ولم يحل ; إذ لا مطالبة به في الحال ، فقول للرجوع في المبيع وما ألحق به ( شروط ) الشارح وكذا بعده على وجه صححه في الشرح الصغير هو الأصح ( و ) منها ( أن يتعذر حصوله ) أي الثمن ( بالإفلاس ) أي بسببه ( فلو ) عطف على امتنع أو مات مليا وامتنع الوارث من التسليم ( فلا فسخ في الأصح ) لإمكان التوصل بالحاكم ، فإن فرض عجز فنادر لا اعتبار به ، والثاني يثبت لتعذر الوصول إليه حالا وتوقعه مآلا فأشبه المفلس واحترز أيضا بالإفلاس عن تعذر حصوله بانقطاع جنس الثمن لجواز الاعتياض عنه ، وما استشكل به من أن المعقود عليه إذا فات جاز الفسخ لفوات المقصود منه ، ومن أن إتلاف الثمن المعين كإتلاف المبيع حتى يقتضي التخيير ، وإذا جاز الفسخ بفوات عينه مع إمكان الرجوع إلى جنسه ونوعه فلفوات الجنس أولى رد بأن الملك ها هنا قوي ; إذ العوض في الذمة فبعد الفسخ وهناك الملك ضعيف ، إذ صورة المسألة أن المعقود عليه معين وأنه فات بإتلاف الأجنبي قبل القبض فساغ الفسخ بل فيها قول : إن العقد ينفسخ كالتالف بآفة سماوية ، وأفهم كلامه أنه لو كان بالثمن ضامن مليء مقر أو عليه بينة يمكن الأخذ بها لم يرجع ، وهو كذلك سواء أضمنه بإذنه أو لا على أوجه الوجهين في الروضة كأصلها ، وبه جزم ( انتفى ) الإفلاس ( وامتنع من دفع الثمن مع يساره أو هرب ) ابن المقري في روضه وإن اقتضى كلامه في الإرشاد خلافه لإمكان الوصول إلى الثمن من الضامن فلم يحصل التعذر بالإفلاس .
وقول الزركشي الظاهر ترجيح الرجوع أخذا من النص على أنه لو وقال رب الدين : أبيع مال أيكما شئت بديني ، فإن كان الضامن بالإذن أجيب الضامن والأقرب الدين رده أفلس الضامن والأصيل وأراد الحاكم بيع مالهما في دينهما فقال الضامن : ابدأ بمال الأصيل الشيخ بأن المدرك هنا تعذر أخذ الثمن ، ولم يتعذر ، وثم شغل ذمة كل من الضامن والأصيل مع عدم الإذن في الضامن ، أما لو كان الضامن معسرا أو جاحدا ولا بينة فيرجع كما رجحه الأذرعي وغيره لتعذر الثمن بالإفلاس ، ولو كان [ ص: 340 ] بالعوض رهن يفي به ولو مستعارا كما رجحه الأذرعي وغيره أيضا لم يرجع لما مر ، فإن لم يف به فله الرجوع فيما يقابل ما بقي له وله الرجوع بالشروط السابقة الآتية ( ولو ) ( فله الفسخ ) ولا تلزمه الإجابة للمنة وخوف ظهور مزاحم سواء الحي والميت وقول ( قال الغرماء ) أي غرماء المفلس أو قال وارثه لمن له حق الفسخ ( لا تفسخ ونقدمك بالثمن ) الزركشي يلزم الدائن قبول التبرع عن الميت أو إبراؤه ليأسه عن القضاء بخلاف الحي مردود بأنه لا يلاقي ما نحن فيه من أن رب المتاع أحق بمتاعه ، ويفارق ما تقرر من عدم لزوم القبول ما لو قال الغرماء للقصار لا تفسخ ونقدمك بالأجرة فإنه يجبر ; لأنه لا ضرر عليه بفرض ظهور غريم آخر لتقدمه عليهم ، ولو أجاب المتبرع فظهر غريم آخر لم يزاحمه ; لأن ما أخذه وإن دخل في ملك المفلس على القول به لكن دخوله ضمني وحقوق الغرماء إنما تتعلق بما دخل في ملكه أصالة مع أن الأصح عدم دخوله في ملكه أو غير المتبرع فلمن ظهر مزاحمته ولا رجوع له في شيء من العين لو بقيت على أوجه احتمالين ، وإن اقتضى كلام الماوردي الآتي ببادئ الرأي خلافه ; لأنه مقصر حيث أخر حق الرجوع مع احتمال ظهور مزاحم له ، ويؤخذ من التعليل أنه في العالم بالمزاحمة وليس كذلك ، ولو أعطاه وارث المبيع الثمن من ماله امتنع عليه الفسخ خلافا للماوردي وغيره ; لأنه خليفة المورث فله تخليص المبيع [ ص: 341 ] ولأنه يبغي بذلك بقاء ملكه ; إذ التركة ملكه فأشبه فك المرهون ، وفداء الجاني بخلاف الأجنبي .
وشمل ذلك ما إذا لم يكن للمشتري تركة ، فإن كان المدفوع من التركة لم يمتنع الفسخ خوفا من ظهور مزاحم ، ولو قدم الغرماء المرتهن بدينه سقط حقه من المرهون بخلاف البائع كما تضمنه كلام الماوردي ، وعليه فالفرق أن حق البائع آكد ; لأنه في العين ، وحق المرتهن في بدلها ( و ) منها ( كون المبيع ) أو نحوه ( باقيا في ملك المشتري ) للخبر المار ( فلو فات ملكه ) عنه حسا كالموت أو حكما كالعتق والوقف والبيع والهبة ( أو كاتب العبد ) أو الأمة كتابة صحيحة ( فلا رجوع ) لخروجه عن ملكه في الفوات وفي الكتابة هو كالخارج عن ملكه وليس للبائع فسخ هذه التصرفات ، بخلاف الشفيع لسبق حقه عليها ; لأن حق الشفعة كان ثابتا حين تصرف المشتري ; لأنه يثبت بنفس البيع ، وحق الرجوع لم يكن ثابتا حين تصرف ; لأنه إنما يثبت بالإفلاس والحجر .
نعم لو أقرضه المشتري لغيره وأقبضه إياه ثم حجر عليه أو باعه وحجر عليه في زمن الخيار فللبائع الرجوع فيه كالمشتري ، ذكره الماوردي .
ويؤخذ منه أن صورتها أن يكون الخيار لبائعه أو لهما وهو كذلك .
قال البلقيني : ويتخرج عليه ما لو فللبائع الرجوع فيه كالواهب له ، قال : ويلزم على ما قاله وهب المشتري المتاع لولده وأقبضه له ثم أفلس الماوردي أنه لو باعه المشتري لآخر ثم أفلسا وحجر عليهما كان للبائع الأول الرجوع ولا بعد في التزامه ا هـ .
ويدل على صحة ما ذكر أنه لو وهب لأجنبي ولم يقبضه لكان للبائع الرجوع صرح به الماوردي ، لكن هنا لم يملك الموهوب له في هذه الصورة تلك العين ولم [ ص: 342 ] تخرج عن ملك المشتري بحال .
قال الأذرعي : الرجوع فيما وهبه لولده وأقبضه بعبد ، ولعل من اختاره في القرض بناه على أنه لا يملك إلا بالتصرف .
ا هـ وأفاده الوالد رحمه الله تعالى أن الراجح في مسألة القرض عدم الرجوع ، وفي المسائل الثلاث عدم الرجوع إن كان الخيار للمشتري في الثانية وإلا ففي الأولى والثالثة ، وقد ذكر الرافعي في نظير المسألة من الصداق أن للزوج الرجوع إن قلنا : الملك في زمن الخيار للبائع ، وإن قلنا للمشتري فلا ، فلو زال ملك المشتري عن المبيع ثم عاد له ولو بعوض وحجره باق أو حجر عليه لم يرجع بائعه كما رجحه في الروضة وهو المرجح في نظيره من الهبة للولد وإن صح في الشرح الصغير الرجوع وأشعر كلام الكبير برجحانه ، وادعى الإسنوي أنه الأصح ، وعليه فلو عاد الملك بعوض ولم يوف الثمن إلى بائعه الثاني فهل الأول أولى لسبق حقه أو الثاني لقرب حقه أو يشتركان ويضارب كل بنصف الثمن إن تساوى الثمنان ؟ فيه أوجه في الشرح والروضة بلا ترجيح ، رجح منها ابن الرفعة الثاني وبه قطع الماوردي وابن كج وغيرهما ، والاستيلاد كالكتابة كما في الروضة كأصلها ، وما وقع في فتاوى المصنف من الرجوع لعله غلط من ناقله عنه فإنه قال في التصحيح : إنه لا خلاف في عدم الرجوع في الاستيلاد ، ومنها أن لا يتعلق بالمبيع حق لازم كرهن مقبوض وجناية توجب مالا معلقا بالرقبة ، فلو زال التعلق جاز الرجوع ، وكذا لو عجز المكاتب فلو قال البائع للمرتهن أنا أدفع إليك حقك وآخذ عين مالي فهل يجبر المرتهن أو لا ؟ وجهان .
قال الأذرعي : ويجب طردهما في المجني عليه ، وقياس المذهب ترجيح المنع ، ولو كان العوض صيدا والبائع محرم امتنع الرجوع لانتفاء أهليته لتملكه حينئذ
وعبارة المصنف في تصحيحه لم يرجع ما دام محرما فاقتضت جواز رجوعه إذا حل من إحرامه ولم يبع لحق الغرماء .
[ ص: 343 ] وهو كذلك وقال البلقيني : إنه قياس الفقه .
ولو رجع كما جزم به كان المبيع كافرا فأسلم في يد المشتري ، والبائع كافر المحاملي وغيره وهو نظير الرد بالعيب لما في المنع منه من الضرر بخلاف الشراء ، وقد جزم به ابن المقري في أوائل البيع ، والفرق بينه وبين الصيد قرب زوال المانع فيه بخلاف هذه ، وأيضا فالعبد المسلم يدخل في ملك الكافر ولا يزول بنفسه قطعا .
بخلاف الصيد مع المحرم فلا فائدة في الرجوع ( ولا يمنع ) الرجوع ( التزويج ) ولا التدبير ولا تعليق العتق ولا الإجارة بناء على جواز بيع المؤجر وهو الأصح فيأخذه مسلوب المنفعة إن شاء ولا يرجع بأجرة المثل لما بقي من المدة كما يفهمه كلام ابن الرفعة ، وإن شاء ضارب وأفرد التزويج بالذكر مع كونه من جملة العيوب المشار إليها في كلامه الآتي لعدم مجيء ما سيفصله فيها من حصوله بآفة أو فعل المشتري أو غيره ، وقد علم مما تقرر أن شروط الرجوع تسعة : أولها كونه في معاوضة محضة كبيع
ثانيها رجوعه عقب علمه بالحجر .
ثالثها كون رجوعه بنحو فسخت البيع كما مر .
رابعها كون عوضه غير مقبوض فلو كان قبض منه شيئا ثبت الرجوع بما يقابل الباقي .
خامسها تعذر استيفاء العوض بسبب الإفلاس .
سادسها كون العوض دينا فلو كان عينا قدم بها على الغرماء .
سابعها حلول الدين .
ثامنها بقاؤه في ملك المفلس .
تاسعها عدم تعلق حتى لازم به ، ولو كان المبيع شقصا مشفوعا ولم يعلم الشفيع بالبيع حتى أفلس مشتري الشقص وحجر عليه أخذه الشفيع لا البائع لسبق حقه ، وثمنه للغرماء كلهم يقسم بينهما بنسبة ديونهم