( ولو ) وقلنا بمنع الإجبار ( فإن ) ( رضي بوضع الجذوع والبناء عليها بعوض ) ( فهو إجارة ) كسائر الأعيان التي تستأجر للمنافع لكن لا يشترط فيها بيان المدة ; لأنه عقد يرد على المنفعة وتدعو الحاجة إلى دوامه فلم يشترط فيه التأقيت كالنكاح . ( أجر رأس الجدار للبناء ) عليه
قال الزركشي : نعم لو كانت الدار وقفا عليه مثلا وأجره فلا بد من بيان المدة قطعا ، ذكره القاضي واعتمده حسين الزركشي لامتناع شائبة البيع فيه ( وإن قال بعته للبناء عليه أو بعت حق البناء عليه فالأصح أن هذا العقد فيه شوب بيع ) لكونه مؤبدا ( وإجارة ) ; لأن المستحق به منفعة فقط ; إذ لا يملك المشتري فيها عينا ، ولو كان إجارة محضة لاشترط تأقيتها أو بيعا محضا لملك رأس الجدار صاحب الجذوع .
والثاني : أنه إجارة محضة ، واغتفر فيها التأبيد للحاجة كسواد العراق ، ورد بأنها لا تنفسخ بتلف الجدار فإنه يعود حقه بإعادة الجدار وفاقا .
والثالث أنه بيع يملك به المشتري رأس الجدار ، هذا إذا لم يقدر مدة ، فإن قدر انعقد إجارة قطعا ، قاله شارح [ ص: 408 ] التعجيز ، وتجري الأوجه فيما لو عقدا بلفظ الصلح أيضا كما في الكفاية ، واحترز بقوله للبناء عليه عما إذا باعه وشرط عدم البناء عليه فيجوز قطعا ، وينتفع به فيما عدا البناء ، وكذا إن لم يتعرض للبناء في الأصح ، قاله الماوردي .
وشوب قال في الدقائق إنه الصواب ، وقول بعضهم : شائبة تصحيف ، واعترضه الإسنوي بأنه لا مدخل للتصحيف هنا وصوابه التحريف .
قال السبكي : ولا يظهر لي وجه التصحيف في ذلك ; إذ الشوب الخلط ويطلق على المخلوط به وهو المراد هنا ، والشائبة يشاب بها فكل منهما صواب ( فإذا بنى ) بعد قوله بعته للبناء أو بعت حق البناء عليه ( فليس لمالك الجدار نقضه ) أي نقض بناء المشتري ( بحال ) أي لا مجانا ولا مع إعطاء الأرش لاستحقاقه دوام البناء بعقد لازم ، نعم إنجاز الشراء كما صرح به اشترى مالك الجدار حق البناء من المشتري المحاملي وأبو الطيب وحينئذ يتمكن من الخصلتين اللتين جوزناهما له لو أعار .
واستشكل الأذرعي ما قالاه من صحة هذا الشراء وسكت المصنف كالرافعي عن تمكين البائع من هدم الحائط نفسه ومن منع المشتري أن يبني إذا لم يكن قد بنى ، ولا شك كما قاله الإسنوي في عدم التمكين منهما ( ولو انهدم الجدار فأعاده مالكه ) باختياره ولا يلزمه ذلك في الجديد مطلقا سواء أهدمه المالك عدوانا أم أجنبي ( فللمشتري إعادة البناء ) بتلك الآلة أو بمثلها ; لأنه حق ثابت له ، وكما للمشتري إعادة البناء كذا له ابتداؤه إن لم يكن بنى ولو لم يبنه المالك فأراد صاحب الجذوع [ ص: 409 ] إعادته من ماله ليبني عليه .
قال الإسنوي : كان له ذلك كما صرح به جماعة ، وقال السبكي : إنه قضية كلام الأصحاب ، وفهم من كلام المصنف عدم الانفساخ بالانهدام ، وقضية تعليل الرافعي اختصاص ذلك بما إذا وقع العقد بلفظ البيع ونحوه ، فأما إذا أجر إجارة مؤقتة فيجري في انفساخها الخلاف في انهدام الدار المستأجرة هل يوجب الفسخ ومن هدم السفل من مالك أو غيره طولب بقيمة حق البناء على العلو للحيلولة سواء أبنى الأعلى أم لا مع غرم أرش النقص إن كان قد بنى وهو ما بين قيمته قائما ومهدوما ، فإن أعيد السفل استعيدت القيمة لزوال الحيلولة ، وله البناء إن لم يكن بنى ، وإعادته إن كان قد بنى ، ولا يغرم الهادم أجرة البناء لمدة الحيلولة .
قال الإمام : لأن الحق على التأبيد وما يتقدر لا ينحط مما لا يتناهى .
قال الإسنوي : وفي كلامه إشارة إلى الوجوب فيما إذا وقعت الإجارة على مدة ، والمتجه عدم الوجوب ; لأن وجوب الأجرة للحيلولة إنما محله عند قيام العين ولم يصرحوا بوجوب إعادة الجدار على مالكه ، وينبغي أن يقال : إن هدمه مالكه عدوانا فعليه إعادته ، وإن هدمه أجنبي أو مالكه ، وقد استهدم لم يجب لكن يثبت للمشتري الفسخ إن كان ذلك قبل التخلية ، وقد مر أن الأصح عدم وجوب إعادته مطلقا ( وسواء كان الإذن ) في وضع البناء ( بعوض أو غيره ) ومر أن هذا لغة صحيحة فلا اعتراض عليه ( يشترط بيان قدر الموضع المبني عليه طولا وعرضا ، وسمك الجدران وكيفيتها ) أي كيفية الجدران أهي مجوفة أم منضدة وهي ما التصق بعضها إلى بعض من حجر أو غيره ( وكيفية السقف المحمول عليها ) هل هو من خشب أو أزج ، وهو العقد المسمى بالقبو ، وهل هو بالقصب أو بالجريد ; لأن الغرض يختلف بذلك ، ولا يشترط ذكر الوزن في الأصح ولو كانت الآلات حاضرة كفت مشاهدتها عن وصفها ( ولو أذن في البناء على أرضه كفى بيان قدر محل البناء ) عن موضعه وطوله وعرضه ; لأن الأرض تحمل كل شيء فلا يختلف الغرض إلا بقدر مكان البناء [ ص: 410 ] قال الأذرعي وغيره : وسكتوا عن حفر الأساس .
وينبغي اشتراط بيان قدره لاختلاف الغرض به ، فإن المالك قد يحفر سردابا أو غيره تحت البناء لينتفع بأرضه ، ويمنع من ذلك مزاحمة تعميق الأساس ، بل ينبغي أن ليرى ما يؤجره أو يبيعه أو يبيع حقوقه . لا يصح إيجار الأرض للبناء عليها ولا بيع البناء فيها إلا بعد حفر الأساس
اللهم إلا أن يكون وجه الأرض صخرة لا يحتاج أن يحفر للبناء أساس ، أو يكون البناء خفيفا لا يحتاج إلى أساس ، والبحث الأخير محله إذا أجره ليبني على الأساس لا فيما إذا أجره الأرض ليبني عليها وبين له موضع الأساس وطوله وعرضه وعمقه أخذا من كلام الشامل .