الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( علق ) الزوج الطلاق ( بفعله ) كدخوله الدار ( ففعل ناسيا للتعليق أو مكرها ) [ ص: 36 ] عليه أو جاهلا بأنه المعلق عليه ، ومنه كما يأتي في التعليق بفعل الغير أن يخبر من حلف زوجها أنها لا تخرج إلا بإذنه بأنه أذن لها وإن بان كذبه . قاله البلقيني ، وما لو خرجت ناسية فظنت انحلال اليمين وأنها لا تتناول سوى المرة الأولى فخرجت ثانيا ، وفيه رد على ما قاله ولده الجلال لو حلف لا يأكل كذا فأخبر بموت زوجته فأكله فبان كذبه حنث لتقصيره ، ولو فعل المحلوف عليه معتمدا على إفتاء مفت بعدم حنثه به وغلب على ظنه صدقه لم يحنث : أي وإن لم يكن أهلا للإفتاء كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى إذ المدار على غلبة الظن وعدمها لا على الأهلية ، ولا ينافي ما تقرر حنث رافضي حلف أن عليا أفضل من أبي بكر رضي الله عنهما ومعتزلي حلف أن الشر من العبد لأن هذين من العقائد المطلوب فيها القطع فلم يعذر المخطئ فيها مع إجماع من يعتد بإجماعهم على خطئه بخلاف مسألتنا ( لم تطلق في الأظهر ) للخبر الصحيح { إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } أي لا يؤاخذهم بأحكام هذه إلا ما دل عليه الدليل كضمان قيم المتلفات .

                                                                                                                            وأفتى جمع من أئمتنا بمقابله ، وقال ابن المنذر : إنه مذهب الشافعي وعليه أكثر العلماء ، ومن ثم توقف جمع من قدماء الأصحاب عن الإفتاء في ذلك وتبعهم ابن الرفعة في آخر عمره ، ولا فرق على الأول بين الحلف بالله وبالطلاق ، ولا بين أن ينسى في المستقبل فيفعل المحلوف عليه أو ينسى فيحلف على ما لم يفعله أنه فعله ، أو بالعكس كأن حلف على نفي شيء وقع جاهلا به أو ناسيا له . والحاصل من كلام طويل في كلامهما ظاهره التنافي أن من حلف على الشيء الفلاني أنه لم يكن أو كان أو سيكون ، أو إن لم أكن فعلت أو إن لم يكن فعل أو في الدار ظنا منه أنه كذلك أو اعتقادا لجهله به أو نسيانه ثم تبين أنه على خلاف ما ظنه أو اعتقده ، فإن قصد بحلفه أن الأمر كذلك في ظنه أو اعتقاده أو فيما انتهى إليه علمه : أي لم يعلم خلافه فلا حنث ، لأنه إنما ربط حلفه بظنه أو اعتقاده وهو صادق فيه وإن لم يقصد شيئا فكذلك حملا للفظ على حقيقته ، وهي إدراك وقوع النسبة بحسب ما في ذهنه لا بحسب ما في نفس الأمر ، وللخبر المذكور .

                                                                                                                            وما ذهب إليه ابن الصلاح وغيره من الحنث مفرع على رأيهم وهو حنث الناسي مطلقا ، وقد صرح الشيخان وغيرهما بعدم حنث الجاهل والناسي في مواضع ، ومحل عدم الحنث فيما مر ما لم يقل لا أفعله عامدا ولا غير وإلا بأن علق بفعله وإن نسي أو أكره أو قال لا أفعله لا عامدا أو لا غير عامد حنث مطلقا اتفاقا ، وألحق به ما لو قال لا أفعله بطريق من الطرق .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : كدخوله الدار ) أي وقد قصد حث نفسه أو منعها ، بخلاف ما إذا أطلق أو قصد التعليق بمجرد صورة الفعل فإنه يقع مطلقا كما اقتضاه كلام ابن رزين ا هـ حج . ونقل [ ص: 36 ] سم عن الشارح أن الإطلاق في فعل نفسه كهو في فعل غيره ، وأن كلا منهما كقصد المنع أو الحث ( قوله : أنها لا تخرج إلا بإذنه ) ومثله ما لو حلف أنها لا تعطي شيئا من أمتعة بيتها إلا بإذنه فأتى إليها من طلب منها قائلا إن زوجك أذن لك في الإعطاء وبان كذبه ، ومنه أيضا ما وقع السؤال عنه فيمن حلف على زوجته أنها لا تذهب إلى بيت أبيها فذهبت في غيبته ، فلما حضر سألها وقال لها أما تعلمين أني حلفت أنك لا تذهبين إلى بيت أبيك ؟ فقالت نعم ، لكن قد قيل لي إنك فديت يمينك فلا وقوع ( قوله : وإن لم يكن أهلا للإفتاء ) ومثله ما يقع كثيرا من قول غير الحالف له بعد حلفه إلا إن شاء الله ، ثم يخبر بأن مشيئة غيره تنفعه فيفعل المحلوف عليه اعتمادا على خبر المخبر ، والظاهر أن مثله ما لو لم يخبره أحد لكنه ظنه معتمدا على ما اشتهر بين الناس من أن مشيئة غيره تنفعه ، فذلك الاشتهار ينزل منزلة الإخبار وحينئذ فلا يقال ينبغي الوقوع لأنه جاهل بالحكم وهو لا يمنع الوقوع ، ويدل لهذا قول الشارح بعد والحاصل من كلام طويل في كلامهما إلخ ( قوله : وإن لم يقصد ) أي بأن أطلق



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : ومنه كما يأتي إلخ . ) أي : من الجهل ( قوله : ولا بين أن ينسى في المستقبل ) أي الذي هو صورة المتن




                                                                                                                            الخدمات العلمية