فائدتان
إحداهما : " " له معنيان . معنى في اللغة ، ومعنى في الشرع . فمعناه في اللغة : الوطء . قاله النكاح الأزهري . وقيل للتزويج : نكاح ، لأنه سبب الوطء . قال أبو عمرو غلام ثعلب : الذي حصلناه عن ثعلب عن الكوفيين ، عن البصريين : أن " النكاح " في أصل اللغة : هو اسم للجمع بين الشيئين قال الشاعر : والمبرد
أيها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يجتمعان
وقال : النكاح الوطء وقد يكون العقد . و " نكحتها " و " نكحت هي " أي تزوجت . وعن الجوهري : النكاح في كلام العرب بمعنى الوطء والعقد جميعا . وموضع " نكح " في كلامهم لزوم الشيء الشيء راكبا عليه . قال الزجاج : سألت ابن جني عن قولهم " نكحها ؟ " . فقال . : فرقت العرب فرقا لطيفا ، يعرف به موضع العقد من الوطء . فإذا قالوا " نكح فلانة " أو " بنت فلان " أرادوا تزويجها ، والعقد عليها . وإذا قالوا " نكح امرأته " لم يريدوا إلا المجامعة ; لأن بذكر امرأته وزوجته تستغنى عن العقد . قال أبا علي الفارسي الزركشي : فظاهره الاشتراك ، كالذي قبله ، وأن القرينة تعين . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : معناه في اللغة : الجمع والضم على أتم الوجوه [ ص: 4 ] فإن كان اجتماعا بالأبدان : فهو الإيلاج الذي ليس بعده غاية في اجتماع البدنين . وإن كان اجتماعا بالعقود : فهو الجمع بينهما على الدوام واللزوم . ولهذا يقال : استنكحه المذي ، إذا لازمه وداومه . انتهى .ومعناه في الشرع : عقد التزويج . فهو حقيقة في العقد ، مجاز في الوطء . على الصحيح . اختاره ، المصنف والشارح ، ، وابن عقيل وابن البنا . في التعليق في كون المحرم لا ينكح ، لما قيل له ، إن النكاح حقيقة في الوطء قال : إن كان في اللغة حقيقة في الوطء ، فهو في عرف الشرع للعقد . قاله والقاضي الزركشي . وجزم به الحلواني ، وأبو يعلى الصغير . قاله في الفروع . قال الحلواني : هو في الشريعة عبارة عن العقد بأوصافه ، وفي اللغة : عبارة عن الجمع . وهو الوطء . قال : الصحيح أنه موضوع للجمع . وهو في الشريعة في العقد أظهر استكمالا . ولا نقول : إنه منقول . نقله ابن عقيل ابن خطيب السلامية في تعليقه على المحرر . وقدمه ابن منجا في شرحه ، وصاحب الرعاية الكبرى ، والفروع . وذلك لأنه أشهر في الكتاب والسنة . وليس في الكتاب لفظ " النكاح " بمعنى الوطء ، إلا قوله تعالى { حتى تنكح زوجا غيره } على المشهور . ولصحة نفيه عن الوطء ، فيقال : هذا سفاح ، وليس بنكاح . وصحة النفي : دليل المجاز . وقيل : هو حقيقة في الوطء ، مجاز في العقد . اختاره في أحكام القرآن ، وشرح القاضي ، والعمدة . الخرقي في الانتصار ، وصاحب عيون المسائل ، وأبو الخطاب وأبو يعلى الصغير . قاله الزركشي ، وابن خطيب السلامية . لما تقدم عن الأزهري ، وغلام ثعلب . والأصل عدم النقل . [ ص: 5 ] قال : وتحريم أبو الخطاب استفدناه من الإجماع والسنة . وهو بالإجماع القطعي في الجملة . وقيل : هو مشترك ، يعني : أنه حقيقة في كل واحد منهما بانفراده . وعليه الأكثر . قال في الفروع : والأشهر أنه مشترك . قال من عقد عليها الأب في المحرر : قاله القاضي الزركشي ، والجامع الكبير . قال ابن خطيب السلامية : الأشبه بأصولنا ومذهبنا : أنه حقيقة في العقد والوطء جميعا في الشريعة ; لقولنا بتحريم موطأة الأب من غير تزويج ، لدخولها في قوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } وذلك لورودها في الكتاب العزيز . والأصل في الإطلاق : الحقيقة . قال ابن خطيب السلامية ، قال أبو الحسين : النكاح عند رحمه الله حقيقة في الوطء والعقد جميعا . وقاله الإمام أحمد أبو حكيم . وجزم به ناظم المفردات . وهو منها . وقيل : هو حقيقة فيهما معا . فلا يقال : هو حقيقة على أحدهما بانفراده . بل على مجموعهما . فهو من الألفاظ المتواطئة . قال : والأشبه أنه حقيقة في كل واحد باعتبار مطلق الضم . لأن التواطؤ خير من الاشتراك والمجاز ; لأنهما على خلاف الأصل . انتهى . ابن رزين
وقال : وقال ابن هبيرة مالك رحمهما الله : هو حقيقة في العقد والوطء جميعا . وليس أحدهما أخص منه بالآخر . انتهى . وأحمد
مع أن هذا اللفظ محتمل أن يريد به الاشتراك . وقال في الوسيلة : كما قال ابن هبيرة وذكر : أنه عند رحمه الله كذلك . انتهى . الإمام أحمد
والفرق بين الاشتراك والتواطؤ : أن الاشتراك يقال على كل واحد منهما [ ص: 6 ] بانفراده حقيقة ، بخلاف المتواطئ . فإنه لا يقال حقيقة إلا عليهما مجتمعين لا غير . والله أعلم .
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله : هو في الإثبات لهما ، وفي النهي لكل منهما . بناء على أنه إذا نهي عن شيء نهي عن بعضه . والأمر به أمر بكله ، في الكتاب والسنة والكلام . فإذا قيل مثلا " انكح ابنة عمك " كان المراد العقد والوطء . وإذا قيل " لا تنكحها " تناول كل واحد منهما .