وقال في الانتصار في مسألة صحة عند طريان العضب والكبر على من وجب عليه : وإنه إذا حج النائب وقع الحج عن المستنيب ( و الاستنابة في الحج م ) ومذهب ( ش هـ ) يقع الحج تطوعا ، ولا يقع عن المستنيب إلا ثواب النفقة ، فنحن نقول : أقيم حج نائبه مقام حجه ، ففعل الغير للحج بدل عن فعله فيما يبذل ، إلا المؤدي وهو الفاعل ، وعندهم البدل هو سعيه بما له في تحصيل حج الغير ، فالبدل عنده متبدل ليس هو فعل الحج ، وإنما هو بذل المال لتحصيل حج النائب حتى لو لم يجز عنه ، لأن السعي ببذل المال مفقود ، فالواجب المؤدي هو المبتذل . واحتج لهم بأن سائر العبادات لا تصح النيابة فيها ، وقال : فأما سائر العبادات فلنا رواية أن الوارث ينوب عنه في جميعها من الصوم والصلاة ، ولا يختلف المذهب في نيابة الوارث في الزكاة ، ثم الصوم يقابل فائته عند العجز بالموت بالإطعام ، والصلاة لا يتصور العجز فيها عندنا ، بخلاف الحج ، ولأن الزكاة مقصودها تحصيل المال للفقراء مواساة ، وتعاطي التكليف مقصود للامتحان ، فعند العجز يستقل بأحد المقصودين ويلتحق بالدين ، والحج الامتحان فيه مقصود ، وفيه مقصود [ ص: 95 ] آخر سوى الفعل ، فإنه وضع على مثال حضرة الملوك وحرمتهم وقد يقصد الملك أن تكون عتبته مخدومة بأصحابه ، فإن عجزوا فبنوابهم لإقامة الخدمة . والصلاة لا مقصود فيها إلا محض التكليف بالفعل امتحانا فإذا فعل غيره [ ذلك ] فات كل المقصود ، فلم يكن في معنى الدين ، يصحح ما ذكرناه أن الخصم أقام للحج بدلا وإن خالفنا في صفته ، ولم يقم للصلاة بدلا . واحتج لهم أيضا بالقياس على الصلاة والصيام وقال : قد تقدم الجواب بالمنع والتسليم ، ثم هناك لا يلزم أن ينوي عن غيره ، ولا يؤمر ببذل المال لتحصيل الصوم والصلاة ، ثم ذكر بعدها من بلغ معضوبا تلزمه الاستنابة ، واحتج للمخالفة بالصلاة ، وأجاب بأن الصلاة لا نسلمها ونقول : يصلي عنه بعد الموت ، ثم الصلاة لا يتصور عجزه عنها إلا أن يموت أو يزول عقله ، بخلاف الحج ، ولو وصى بها لم تصل عنه ، بخلاف الحج عندهم ، ولا مدخل للمال في جبرانها ، والبدل جبران ، بخلاف الحج ، ثم هو قياس يعارض النصوص . ثم ذكر بعدها : لا يصير مستطيعا ببذل غيره ، كسائر العبادات ، فقيل له : لا تدخلها النيابة بخلاف الحج ، فقال : لا نسلم ، بل النيابة تدخل الصلاة والصيام إذا وجبت وعجز عنها بعد الموت ، فذكر في هاتين المسألتين تبرع أجنبي وحج عنه بإذنه ، وكلامه في المسألة الأولى ، والرواية المذكورة تقتضي : وفي الحياة أيضا ، كالحج ، فعلى هذا يتوجه ، إن النيابة في الصلاة والصيام بعد الموت كبر عنه رجل ، وقاله عجز [ ص: 96 ] أن يكبر للصلاة إسحاق ، ونقله عن إبراهيم والحكم والله أعلم وذكر في عيون المسائل ما ذكره غيره من قياس النيابة في الحج على الزكاة ، ثم قال : ولا يلزم الصلاة والصيام فإنا إن قلنا تدخلهما النيابة فإنهما كمسألتنا وإن قلنا لا تدخلهما النيابة قلنا هناك لم يؤمر أن ينويهما عن غيره ، بخلاف مسألتنا . ومال صاحب النظم إلى صوم رمضان عنه بعد موته فقال : لو قيل لم أبعد ، فعلى هذا : الظاهر أن المراد : لا يطعم ، كقول طاوس ، ورواية عن وقتادة الحسن والزهري ، في القديم ، والشافعي وأبي ثور ; لقوله عليه السلام : { وداود } متفق عليه من حديث من مات وعليه صيام صام عنه وليه . ، ومعناه من حديث عائشة ، وقد يتوجه احتمال أن المراد التخيير . ابن عباس
وقال في شرح : من يقول بالصيام يجوز عنده الإطعام ، وقد قال مسلم شيخنا : إن تبرع بصومه عمن لا يطيقه لكبر ونحوه أو عن ميت وهما معسران يتوجه جوازه ، لأنه أقرب إلى المماثلة من المال ، وكذا عن الأوزاعي رواية : يصومه عن الميت إذا لم يجد ما يطعم عنه ، وكذا ذكر والثوري في صوم النذر نحو قول القاضي شيخنا فذكر ما ذكره الأصحاب أن ، بل يطعم ، ثم جعل هذا حجة للمخالف في عدم فعله بعد الموت . قال : والجواب أنه لا يمتنع أن نقول يصح الصوم عنه ، كما نقول في الحج إذا عجز عنه في حال الحياة [ ص: 97 ] يحج عنه ، وحكى القاضي عن صوم النذر لا يفعل عن عاجز في حياته : لا يصام عنه ولا يطعم ، خلاف ما سبق عنه ، وذكر داود والشافعية الإجماع أنه لا يصام عن أحد في حياته . والله أعلم . والإطعام من رأس ماله ، أوصى أو لا [ ( و القاضي عياض ) ] لا أنه إنما يجب من الثلث إن أوصى ( ش هـ ) كالزكاة على أصلهما . م