الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  485 156 - حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي البصري ، قال : حدثنا معتمر ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعرض راحلته فيصلي إليها . قلت : أفرأيت إذا هبت الركاب ، قال : كان يأخذ هذا الرحل فيعدله فيصلي إلى آخرته ، أو قال : مؤخره ، وكان ابن عمر رضي الله عنه يفعله .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : ( يعرض راحلته فيصلي إليها ) ، وفي قوله : ( كان يأخذ الرحل ) إلى آخره ، وأما ذكر البعير [ ص: 287 ] والشجر في الترجمة ، فقد ذكرنا وجهه آنفا .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) : وهم أربعة ، تكرر ذكرهم ، وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع . وأخرجه مسلم أيضا في الصلاة عن أحمد بن حنبل ، ولفظه : ( آخرة الرحل ) ، وأخرجه أيضا من حديث أبي ذر ، وأبي هريرة ، وأخرج النسائي من حديث عائشة ( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك عن سترة المصلي ، فقال : مثل مؤخرة الرحل )

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) : قوله : ( يعرض ) بتشديد الراء من التعريض ، أي : يجعلها عرضا . قوله : ( أفرأيت ) الفاء عاطفة على مقدر بعد الهمزة ، أي : أرأيت في تلك الحالة ، فرأيت في هذه الحالة الأخرى ، والمعنى أخبرني عن هذه ، وفي بعض النسخ ( أرأيت ) بدون الفاء ، ( ( فإن قلت ) ) : من السائل هنا ، ومن المسؤول عنه ؟ ( قلت ) : الذي يدل عليه الظاهر أنه كلام نافع ، وهو السائل ، والمسؤول عنه هو ابن عمر ، ولكن وقع في رواية الإسماعيلي من طريق عبيدة بن حميد عن عبيد الله بن عمر أنه كلام عبيد الله ، والمسؤول نافع ، فعلى هذا يكون هو مرسلا ؛ لأن فاعل يأخذ هو النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يدركه نافع . قوله : ( إذا هبت الركاب ) هبت بمعنى هاجت وتحركت ، يقال : هب الفحل إذا هاج ، وهب العير في السير إذا نشط ، وقال ابن بطال : هبت ، أي : زالت عن موضعها وتحركت ، يقال : هب النائم من نومه إذا قام ، وقيده الأصيلي بضم الهاء ، والفتح أصوب ، والركاب بكسر الراء وتخفيف الكاف الإبل التي يسار عليها ، والواحد الراحلة ، ولا واحد لها من لفظها ، والجمع الركب مثل الكتب . قوله : ( فيعدله ) من التعديل ، وهو تقويم الشيء ، يقال : عدلته فاعتدل ، أي : قومته فاستقام ، والمعنى يقيمه تلقاء وجهه ؛ لأن الإبل إذا هاجت شوشت على المصلي لعدم استقرارها ، فحينئذ كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يعدل عنها إلى الرحل فيجعله سترة ، وقد ضبط بعضهم فيعدله بفتح أوله ، وسكون العين ، وكسر الدال ، ثم فسره بقوله ، أي : يقيمه تلقاء وجهه ، والصواب ما ذكرناه ؛ لأنه من باب فعل بالتشديد ، لكنه يأتي بمعنى فعل بالتخفيف ، كما يقال : زلته وزيلته ، وكلاهما بمعنى فرقته . قوله : ( إلى أخرته ) بفتح الهمزة ، والخاء ، والراء بلا مد ، أي : فصلى إلى أخرة الرحل ، ويجوز المد في الهمزة ، ولكن بكسر الخاء ، وهي الخشبة التي يستند إليها الراكب . قوله : ( أو قال مؤخرته ) في ضبطه وجوه ، الأول : بضم الميم ، وكسر الخاء ، وهمزة ساكنة ، قاله النووي ، والثاني : بفتح الهمزة ، وفتح الخاء المشددة ، والثالث : إسكان الهمزة ، وتخفيف الهاء ، وقال أبو عبيد : يجوز كسر الخاء ، وفتحها ، وأنكر ابن قتيبة الفتح ، وقال ابن مكي : لا يقال : مقدم ومؤخر بالكسر إلا في العير خاصة ، وأما في غيرها ، فلا يقال إلا بالفتح فقط ، وقال الجوهري : مؤخرة الرحل لغة قليلة في أخرته ، وقال ابن التين : رويناه بفتح الهمزة وتشديد الخاء ، وفتحها ، وقال القرطبي : مؤخرة الرحل هو العود الذي يكون في آخر الرحل بضم الميم ، وكسر الخاء ، والرابع : روى بعضهم بفتح الهمزة ، وتشديد الخاء . قوله : ( وكان ابن عمر يفعله ) مقول نافع ، والضمير المنصوب في يفعله يرجع إلى كل واحد من التعريض والتعديل اللذين يدل عليهما قوله : يعرض . وقوله : فيعدله من قبيل قوله تعالى : اعدلوا هو أقرب للتقوى أي : العدل أقرب للتقوى ، فافهم .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) : قال الخطابي : فيه دليل على جواز السترة بما يثبت من الحيوان ، قال ابن بطال : وكذلك تجوز الصلاة إلى كل شيء طاهر ، وقال القرطبي : في هذا الحديث دليل على جواز التستر بالحيوان ، ولا يعارضه النهي عن الصلاة في معاطن الإبل ؛ لأن المعاطن مواضع إقامتها عند الماء ، وكراهة الصلاة حينئذ عندها إما لشدة نتنها ، وإما لأنهم كانوا يتخلون بها مستترين بها ، وقيل : علة النهي في ذلك كون الإبل خلقت من الشياطين ، وقد مر الكلام فيه مستوفى في باب الصلاة في مواضع الإبل .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية