الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
7822 - ما أصر من استغفر ، وإن عاد في اليوم سبعين مرة (د ت) عن أبي بكر . (ض)

التالي السابق


(ما أصر) أي ما أقام على الذنب (من استغفر) أي تاب توبة صحيحة ، لأن التوبة شروطها ترفع الذنوب كلها حتى الشرك ، (وإن عاد في اليوم سبعين مرة ) ، فإن رحمته لا نهاية لها ولا غاية ، فذنوب العالم كلها متلاشية عند حلمه وعفوه ، إذ لو بلغت ذنوب العبد ما عسى أن تبلغ ، ثم استقال منها بالاستغفار غفرت له ، لأنه طلب الإقالة من كريم ، والكريم محل لإقالة العثرات وغفر الزلات ، لكن الاستغفار التام المتسبب عنه المغفرة هو ما قارنه عدم الإصرار ، لأنه حينئذ توبة نصوح ، وأما مع الإصرار فهو مجرد دعاء ، قال الغزالي : فإن قلت: كيف يكون الاستغفار نافعا من غير حل عقدة الإصرار ؟ وفي خبر: المستغفر من ذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ ، وكان بعضهم يقول: أستغفر الله من قولي أستغفر الله ، وقيل: الاستغفار باللسان توبة الكذابين ؟ قلنا: الذي هو توبة الكذابين هو الاستغفار بمجرد اللسان بدون شركة للقلب فيه ، كما يقول بحكم العادة وعند رأس الغفلة: أستغفر الله ، من غير تأثير لقلبه ، فإنه يرجع بمجرد حركة اللسان ، ولا جدوى له ، فإن انضاف له تضرع القلب وابتهاله في سؤاله المغفرة عن خلوص رغبته فهذه حسنة في نفسها تصلح لدفع السيئة بها ، وعليه يحمل قوله في هذا الخبر: ما أصر... إلخ ، فهذا عبارة عن الاستغفار بالقلب. وللتوبة والاستغفار درجات ، وأوائلها لا يخلو عن فائدة وإن لم ينته إلى آخرها ، ولذلك قال سهل : لا بد للعبد في كل حال من مولاه ، فأحسن أحواله الرجوع إليه في كل شيء ، فإن عصى قال: يا رب استر علي ، فإذا فرغ من المعصية قال: يا رب تب علي ، فإذا تاب قال: يا رب اعصمني ، فإذا عمل قال: تقبل مني ، وسئل عن الاستغفار الذي يكفر الذنب فقال: أول الاستغفار الإجابة ثم الإنابة ثم التوبة ، فالاستجابة: إعمال الجوارح ، والإنابة إعمال القلب ، والتوبة: إقباله على مولاه بأن يترك الخلق ، ويستغفر من تقصيره ومن الجهل بالنعمة وترك الشكر ، فعند ذلك يغفر له ، ثم انتقل إلى الانفراد ثم الثبات ثم البيان ثم القرب ثم المعرفة ثم المناجاة ثم المصافاة ثم الموالاة ثم المحادثة ، وهو الخلة ، ولا يستقيم هذا في قلب عبد حتى يكون العلم غذاءه والذكر قوامه والرضا زاده والتوكل صاحبه ، ثم ينظر الله إليه فيرفعه إلى العرش ، فيكون مقامه مقام حملة العرش ، والحاصل أن للتكفير درجات ، فبعضها محو للذنب بالكلية ، وبعضها مخفف ، ويتفاوت ذلك بتفاوت درجات التوبة ، فالاستغفار بالقلب والتدارك بالحسنات - وإن خلا عن حل عقدة الإصرار - من أوائل الدرجات ، ولا يخلو عن فائدة ، فلا ينبغي أن يظن أن وجودها كعدمها قال: بل أقول: الاستغفار باللسان فقط حسنة أيضا ، إذ حركة اللسان به عن غفلة خير من حركته في تلك الساعة بغيبة أو فضول ، بل خير من السكوت ، فيظهر فضله بالإضافة إلى السكوت عنه ، وإنما يكون نقصا بالإضافة إلى عمل القلب ، ولهذا قال بعضهم لأبي عثمان المغربي: لساني يجري بالذكر والقرآن ، وقلبي غافل ، فقال: اشكر الله الذي استعمل جارحة من جوارحك في خير ، وعوده الذكر لا الفضول

[تنبيه] قال الراغب : قد يستحسن في بعض الأحوال التغابي عن المصر. سمع رجل حكيما يقول: ذنب الإصرار أولى بالاغتفار ، فقال: صدقت ، ليس فضل من عفا عن السهو القليل كمن عفا عن العمد الجليل

(د ت عن أبي بكر ) الصديق ، قال الترمذي : غريب [ ص: 423 ] وليس إسناده بقوي ، قال الزيلعي : إنما لم يكن قويا لجهالة مولى أبي بكر الراوي عنه ، لكن جهالته لا تضر ، إذ يكفيه نسبته إلى الصديق اه. وأقول: فيه أيضا عثمان بن واقد ، ضعفه أبو داود نفسه.



الخدمات العلمية