المطلب الخامس: الفرق بين الهبة، والهدية، والصدقة، والعطية، والرشوة، والوقف، والوصية
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الفرق بين الهبة، والهدية، والعطية:
الهبة، والهدية، والعطية: معانيها متقاربة، قال "وجملة ذلك أن ابن قدامة: واسم العطية شامل لجميعها، وكذلك الهبة". الهبة والصدقة والهدية معانيها متقاربة، وكلها تمليك في الحياة بغير عوض،
والفرق بين الهبة والهدية من وجوه:
[ ص: 48 ] الأول: أن الهبة إذا حملت إلى مكان الموهوب له إكراما وإعظاما فهي هدية، من إهداء النعم إلى الحرم; ولذا لا يدخل لفظ الهدية في العقار، فلا يقال: أهديت له أرضا، وإنما تطلق في المنقولات.
الثاني: أن الهدية يقصد منها التقرب إلى المهدى إليه والمحبة له بخلاف الهبة، فقد يقصد منها مجرد نفع المعطي.
قال الشربيني: "وإذا انضم إلى تمليك المحتاج بقصد ثواب الآخرة النقل إلى مكانه، فتكون هدية وصدقة، وقد تجتمع الأنواع الثلاثة فيما لو ملك محتاجا لثواب الآخرة بلا عوض، ونقله إليه إكراما بإيجاب وقبول".
قال السبكي: "والظاهر أن الإكرام ليس شرطا، فالشرط هو النقل".
قال الزركشي: "وقد يقال احترز به عن الرشوة، ولا يقع اسم الهدية على العقار".
فإن قيل: قد صرحوا في باب النذر أن الشخص لو قال: لله علي أن أهدي هذا البيت مثلا صح وباعه ونقل ثمنه؟
أجيب: "بأنهم توسعوا فيه بتخصيصه بالإهداء إلى فقراء الحرم، وتعميمه في المنقول وغيره".
الثالث: قال في الشرح الممتع: "الغالب أن الهدية تكون من الأدنى إلى الأعلى ; لأن الأدنى لا يريد أن ينفع الأعلى، وإنما يريد التودد إليه، والهبة تكون مع المساوي، ومع من دونه، لكنه لا يقصد بها ثواب الآخرة قصدا أوليا".
[ ص: 49 ] والفرق بين الهبة، والعطية: أن الهبة حال الصحة، وأما العطية فقد اصطلح كثير من الفقهاء على أن العطية هي الهبة حال مرض الموت.
وأيضا: فإن العطية تخالف الهبة في الأحكام; إذ لها حكم الوصية في كثير من المسائل كما سيأتي تقريره في مبحث "الهبة في مرض الموت".