الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب السادس: تخصيص أو تفضيل بعض الأولاد لمعنى يقتضي ذلك

        اختلف القائلون بحرمة تفضيل بعض الأولاد على بعض في الهبة في جواز ذلك لمعنى يقتضي تخصيصه، مثل اختصاصه بحاجة، أو زمانة، أو عمى، أو كثرة عائلة، أو اشتغال بالعلم أو نحوه من الفضائل، وكذا صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله، أو ينفقه فيها، على قولين: [ ص: 497 ] القول الأول: الجواز.

        ذهب إليه أحمد في رواية عنه، اختارها ابن قدامة، وابن تيمية.

        قال شيخ الإسلام: "وينشأ من بينهما نوع ثالث، وهو أن ينفرد أحدهما بحاجة غير معتادة... ففي إعطاء الآخر مثل ذلك نظر... فلو كان أحد الأولاد فاسقا، فقال والده: لا أعطيك نظير إخوتك حتى تتوب، فهذا حسن يتعين اعتباره، وإذا امتنع من التوبة فهو الظالم، فإن تاب وجب عليه أن يعطيه".

        قال المرداوي: "وهذا قوي جدا".

        واحتجوا:

        1 - ما تقدم عن أبي بكر في نحله لعائشة بعض ماله دون إخوتها.

        ووجه الاستدلال ظاهر.

        2 - ما تقدم عن عمر في تخصيص عاصم رضي الله عنه دون بقية إخوته.

        3 - ما تقدم أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فضل بني أم كلثوم بنحل قسمه بين ولده.

        [ ص: 498 ] 4 - ما تقدم عن ابن عمر - في تخصيص واقد - وتعليله لذلك بمسكنته.

        5 - ولأن بعضهم اختص بمعنى يقتضي العطية، فجاز أن يختص بها كما لو اختص بالقرابة.

        القول الثاني: عدم الجواز.

        ذهب إليه الحنابلة في قول، وابن حزم.

        واحتجوا:

        1 - بحديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم".

        وجه الدلالة: أن النبي لم يستفصل بشيرا في سبب تخصيصه للنعمان دون سائر ولده.

        فالحديث عام.

        ونوقش: بأن تركه الاستفصال يجوز أن يكون لعلمه بالحال.

        وأجيب: بأنه لو علم بالحال لما قال: "ألك ولد غيره؟".

        وردت هذه الإجابة: باحتمال أن يكون السؤال ههنا لبيان العلة.

        [ ص: 499 ] (214 ) كما روى البخاري ومسلم من طريق عياض بن عبد الله، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "أليس إذا حاضت لم تصلي ولم تصم؟" وقد علم أنها إذا حاضت لم تصل ولم تصم، لكن نبه السائل بهذا على علة نقصان عقلها.

        2 - ولأنهم سواء بالإرث، فكذلك في عطيته في حياته.

        3 - ولوجود المعنى، وهو حدوث العداوة والبغضاء وإيحاش الصدور.

        الترجيح:

        والذي يظهر لي رجحانه أنه لا يجوز له التخصيص في الهبة لمعنى من هذه المعاني; لقوة ما استدلوا به ومنه عموم الحديث، مع عدم المخصص، وليس في هذا القول عسر أو تشديد; لأن له أن يعطي في كثير من هذه الصور، ولكن لا على سبيل الهبة، ولكن على سبيل النفقة، فينفق على المريض، والأعمى العاجز عن الكسب، ومن هو متفرغ لطلب العلم دون غيرهم من المقتدرين من بقية الإخوة.

        [ ص: 500 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية