الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        القسم العاشر:

        الهدية المأذون بها للموظف من ولي الأمر:

        إذا أذن ولي الأمر للموظف بقبول الهدية، فإنه يباح له أخذها.

        (163 ) 1 - لما رواه الترمذي من طريق داود بن يزيد الأودي، عن المغيرة بن شبيل، عن قيس بن أبي حازم، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فلما سرت أرسل في أثري فرددت، فقال: "أتدري لم بعثت إليك؟ لا تصيبن شيئا بغير إذني، فإنه غلول ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة لهذا دعوتك فامض لعملك".

        [ ص: 344 ] فالهدية للموظف تكون غلولا إن كانت بغير إذن الإمام، أما إن كانت بإذنه فليست غلولا، بل مباحة.

        2 - ما رواه ابن أبي شيبة: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، قال: "قدم معاذ من اليمن برقيق في زمن أبي بكر، فقال له عمر: ارفعهم إلى أبي بكر، فقال: ولم أرفع إليه رقيقي؟ قال: فانصرف إلى منزله ولم يرفعهم، فبات ليلة ثم أصبح من الغد فرفعهم إلى أبي بكر، فقال له عمر: ما بدا لك؟ قال: رأيتني فيما يرى النائم كأني إلى نار أهدى إليها فأخذت بحجزتي فمنعتني من دخولها، فظننت أنهم هؤلاء الرقيق، فقال أبو بكر: هم لك، فلما انصرف إلى منزله قام يصلي فرآهم يصلون خلفه، فقال: لم تصلون؟ فقالوا: لله، فقال: اذهبوا أنتم لله" (صحيح ) .

        القسم الحادي عشر:

        الهدية للموظف من الأعلى منه في وظيفته.

        [ ص: 345 ] هذه الهدية يباح بذلها من الأعلى من الموظف كرئيسه والسلطان، بشرط أن لا يترتب على ذلك محذور شرعي; لانتفاء التهمة بالرشوة; حيث إن مراعاة الموظف للأعلى منه في وظيفته أو لسلطان لا تكون بهديتهم إليه، بل بالمركز والقوة المستمدة من نفوذ مركزهم.

        وبه يتبين جواز الهدايا التي تقدمها الدوائر الحكومية والمؤسسات لبعض موظفيها.

        القسم الثاني عشر:

        الهدية للموظف بعد تركه الوظيفة.

        إذا ترك الموظف وظيفته; لانتهاء فترتها، أو استقالته منها، ثم قدمت له هدايا من إدارة عمله أو غيرها، أفرادا كانوا أو جهات، فإنه يباح بذلها وقبولها; وذلك لحديث ابن اللتبية رضي الله عنه، وفيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فهلا جلس في بيت أبيه وأمه، فينظر أيهدى له".

        ووجهه: أن الموظف إذا ترك العمل، يكون قد جلس في بيت أبيه وأمه، فإذا أهدي إليه حينئذ جازت; لانتفاء الريبة بالرشوة.

        القسم الثالث عشر:

        الهدية على وجه إكرام العلم والصلاح، المقدمة للمفتي والواعظ وإمام المسجد والمعلم الذي لا علاقة له باختبار الطالب ودرجاته، ولو كان موظفا من قبل الحكومة.

        [ ص: 346 ] هذه الهدية يباح بذلها وقبولها; لانتفاء الريبة بالرشوة بانتفاء ما يدعو إليها; لأن الحامل للإهداء إلى هؤلاء معنى خاص فيهم، هو إكرام العلم أو الصلاح الذي اتصفوا به، ولأن هؤلاء لا يطلب منهم إبطال حق، أو إحقاق باطل.

        القسم الرابع عشر:

        ضيافة الموظف في بلد وظيفته ممن لا حاجة للمضيف عند الموظف تتعلق بوظيفته، أو كان الموظف قد أنهى حاجة مضيفه.

        هذه الضيافة: نص بعض الشافعية: أنه يجوز بذلها، وقبولها.

        ويمكن الاستدلال لهذا: أن الضيوف يستوون في هذه الضيافة، فليس فيها مجازاة للموظف على حاجة للمضيف قضاها بجهة وظيفته، ولانتفاء الاتهام بالرشوة; لكون هذه الضيافة إما لعدم الحاجة في وظيفة العامل، أو بعد إنهائها.

        ويحتمل التفريق بين الأمور التي جرت بها العادة فتباح، وبين غيرها فتمنع، كأن يخصصه بطعام بسبب الوظيفة.

        القسم الخامس عشر:

        نزول الموظف المسافر ضيفا في غير بلده.

        [ ص: 347 ] يباح للموظف قبول هذه الضيافة إن كان عابر سبيل في هذه البلدة، ويكره إن كان مقيما فيها.

        ويمكن الاستدلال لهذا: أن إباحتها إن كان الموظف عابرا; بانتفاء التهمة بالرشوة; لأنه صار في حق الضيافة كسائر المسلمين العابرين، فلا منة فيها، ولا سبيل بها للتهمة بالرشوة من وجود الحاجة، أو بلد الوظيفة.

        أما كراهتها للمقيم; فلعدم الأحقية له في الضيافة حينئذ، ولخشية حدوث حاجة للمضيف تتعلق بالوظيفة، ويحتمل أن يقال بالتفصيل في القسم السابق قبله.

        القسم السادس عشر:

        الهدية للموظف من غير أهل بلد الوظيفة، ويرسلها المهدي إلى بلد الوظيفة، وليس للمهدي حاجة عند الموظف تتعلق بالوظيفة.

        للشافعية في قبول الموظف هذه الهدية وجهان:

        أوجههما: الحرمة.

        ويمكن الاستدلال لها: أنه يخشى أن تحدث حاجة للمهدي، فتكون هذه الهدية من الرشوة.

        الوجه الثاني: يجوز قبولها; لانتفاء التهمة بالرشوة لعدم الحاجة.

        والأقرب: عدم قبولها; لما تقدم من الأدلة على تحريم قبول الموظف الهدية، وليس هناك معنى آخر يستحق بها الهدية.

        القسم السابع عشر:

        تحصل أحيانا ألفة بين موظف وزميله في العمل، أو بينه وبين مراجع له; [ ص: 348 ] وذلك لحسن التعامل المباح بينهما، فيبذل الزميل أو المراجع هدية لهذا الموظف تحببا وتوددا إليه وإكراما له، لا بقصد الوظيفة، وليس للمهدي عند الموظف حاجة تتعلق بالوظيفة.

        وهذه الهدية: إن كانت بين الموظف وزميله فلا بأس بها; إذ هي لمعنى آخر وهي الصداقة، وإن كانت بين موظف وأجنبي، فالأقرب عدم قبولها; لما تقدم من الأدلة على تحريم الموظف الهدية، وليس هناك معنى آخر يستحق به الهدية.

        القسم الثامن عشر:

        الهدية إلى جهة عمل ليست للدولة، ولا ارتباط لها بعمل الدولة، كالمؤسسات والمحلات التجارية التي لا ارتباط لها بأي عمل للدولة.

        والهدية لهذه الجهات: يجوز بذلها، ويجوز للمسؤول عن هذه الجهات قبولها; وذلك لأن الأصل إباحة الهدية.

        لكن جواز هذه الهدية مرتبط بما إذا لم يقصد بها المهدي ميل أصحاب الجهة إليه للإضرار بغيره.

        القسم التاسع عشر:

        الهدية إلى جهة عمل للدولة، أو لها ارتباط بعمل متعلق بالدولة.

        هذا القسم من الجهات يشمل الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة المرتبطة بالحقوق العامة كمكاتب التقارير الطبية في المستشفيات الخاصة، ومكاتب المحاماة والمحاسبين القانونيين، أو المؤسسات المرتبطة بمشاريع مالية للدولة كشركات ومؤسسات المقاولة، والمحلات التجارية التي تتعامل مع الدولة.

        والهدية لهذا القسم من الجهات، لا يخلو قصد مهديها من أحد أمرين: [ ص: 349 ] الأمر الأول: أن يقصد بهديته ميل قلوب موظفي الجهة; لتسهيل أعماله التي فيها، حالا أو مستقبلا.

        فحينئذ: إما أن تكون أعماله هذه نظامية، لكن موظفي الجهة لا ينجزونها إلا ببذله هدية لدائرتهم لا لأنفسهم.

        فهذه الهدية: يجوز للمهدي بذلها، ويحرم على موظفي الجهة قبولها كما تقدم في القسم الثاني.

        وإما أن تكون أعمال المهدي لهذه الجهة غير نظامية، وأراد بهديته أن يغض موظفوها الطرف عنه فيها، أو أراد أن يقدموه على غيره كما في مشاريع المقاولات، أو غير ذلك من المقاصد غير المشروعة.

        فهذه تعتبر رشوة، يحرم على المهدي بذلها، ويحرم على موظفي الدائرة قبولها.

        الأمر الثاني: أن يقصد بهديته هذه إكرام الجهة ومجازاتها على ما قامت به تجاه مهمته.

        فهذه الهدية: أرجو أن لا يكون بأس في بذلها وقبولها.

        وذلك; لأنها ليست مقدمة لذات الموظف، فيخشى عليه المجازاة على عمل واجب عليه، وليس فيها تهمة بالرشوة.

        القسم العشرون:

        الهدية للسلطان ممن يهدي له قبل توليته، ولا يريد منه وظيفة في الدولة، ولا مجازاته على جميل قام به للمهدي.

        تباح هذه الهدية; لأنها لجاه السلطنة، لكن إن كافأ السلطان عليها صارت له، أما إن لم يكافئ عليها، فهل يردها أو يقبلها لبيت المال؟ قولان.

        [ ص: 350 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية